أنت هنا

قراءة كتاب إسرائيل الحرب الدائمة - اجتياح لبنان 1982

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إسرائيل الحرب الدائمة - اجتياح لبنان 1982

إسرائيل الحرب الدائمة - اجتياح لبنان 1982

كتاب " إسرائيل الحرب الدائمة - اجتياح لبنان 1982 " ، تأليف محمد خواجه ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

تمهيد

يعود الفضل في ولادة العمل هذا الى دولة الرئيس نبيه برّي الذي آلمه إعراض الكثير من الباحثين اللبنانيين عن إيفاء حرب العام 1982 حقها من الكتابة. ولكي لا تطمس جريمة الحرب الإسرائيلية و البطولة التي واجهتها، شجعني على إعادة تأليب أوراقها من جديد. لم تكن البادرة الأولى تجاهي؛ فقد سبق وحفّزني مراراً على الغوص في عالم البحث والكتابة، بخاصة أن موضوع بحثي الدائم يقارب الجانب المسلح من الصراع مع العدو. يعتقد الرئيس برّي، ونعتقد معه بأن جذوة الصراع هذا لن تخبو إلا بزوال الاحتلال وعودة الشعب الفلسطيني الى دياره.

كما أن هذا العمل ما كان ليبصر النور، لو أن موضوعه استوفى حقه بالبحث والدراسة من قبل الكتاب المختصين، لاسيما أن "حرب لبنان الأولى" قد انقضى عليها ثلاثة عقود تقريباً، من دون أن تثمر شجرتها نصاً عسكرياً يتناسب مع أهمية الحرب هذه، ونتائجها على لبنان والمنطقة العربية. على الرغم من ذلك من حق القارئ علينا أن يتساءل، لمَ هذا الكتاب الذي يتناول حرباً مضى عليها حينٌ من الدهر؟ وما الفائدة المرتجاة من العودة بالزمن الى الوراء، بخاصة أن حروباً إسرائيلية عدة، قد تلت تلك الحرب على لبنان؟ ألم يكن من الأجدى تسليط الجهد البحثي، على سبر النيَّات الإسرائيلية الضامرة لحرب جديدة، لتلمس سيناريوهاتها المفترضة؟.

إن ما يعنيني من الكتابة عن الحرب هذه فوق أسبابها ودوافعها؛ إنه كان لي شرف المشاركة الفاعلة فيها، وكنت واحداً ممن بذلوا العرق والدم مع العديد من اللبنانيين الوطنيين الذين دافعوا عن شرف عاصمتهم، ليعصموها من دنس الاحتلال ورجسه. لقد اختبرت فيها الخطر الجميل وما يكتنفه من غموض، وما شاكله من إكراهات تبحث لها عن خلاص شبه محتوم. وتأتي كتابتي عنها ليس من موقع الحماسة، بل التطرق الى مجريات أحداثها؛ والعناية بالتقاط مفاصل خللها، لعلنا نقدم، بصورة متواضعة، إضافة نوعية في فهم تفكير العدو وسلوكه الحربي، وما يحويانه بين دفتيهما من نظريات وخطط وأساليب قتال، تُعيننا معرفتها على تطوير سبل مواجهته. وهذا ليس بالكافي، ما لم يرفد بمحفزات موضوعية، تساعد على التصدي لعمل يحتاج الى الكثير من الوقت والجهد والصبر.

ما لفتني، بصدق، أن المكتبة اللبنانية خالية من أي كتاب أو دراسة عسكرية، تتناول الحرب هذه بأسلوب تحليلي، يفكك العناصر الأساسية فيها، ويعيد تركيبها ليضعها في المحتوى الحقيقي، لمجرى الصراع العربي الإسرائيلي. ما كُتب بهذا الشأن، لا يتعدى الرصد والتسجيل اليومي لسير الأحداث، وكأن القتال الذي دار على مدى تسعة أسابيع متواصلة، لم يجرِ على أرض لبنان، ولم تأكل آلة الحرب الإسرائيلية من لحم مواطنيه الأبرياء، إسوة بأخوتهم من المدنيين الفلسطينيين. في تلك الحرب لم يلعب اللبنانيون دور الضحية فقط، فقد شارك آلاف المقاتلين منهم على تنوع انتماءاتهم المناطقية والسياسية والحزبية، بالتصدي للغزاة الى جانب القوات العربية السورية والمقاتلين الفلسطينيين.

كتب عن الحرب هذه القليل، غالبيتهم من غير اللبنانيين، فقد تناولها عدد من الكتّاب الإسرائيليين والفلسطينيين والأجانب، لكن كلٌّ من منظاره. فالكتّاب الإسرائيليون أمثال زئيف شيف وأيهود يعاري وشيمون شيفر ويعقوب تيمرمان والعقيد دوف يرميا وغيرهم، قاربوا أحداثها على خلفية نزاعاتهم السياسية والحزبية مع الطاقم الحاكم، آنذاك، في تل أبيب. ولم يقم اعتراضهم على الحرب بذاتها، أي بسبب طبيعتها العدوانية، بل لأسباب تتعلق بتخطيها المدى المرسوم لها، وأحياناً الإفراط في استعمال القوة غير المتناسبة، والمآسي الإنسانية الناجمة عنها. وقد أغفل هؤلاء طبيعة الحروب الإسرائيلية، كفعل عدواني دوري، نتاج كيان يعيش حالة رهاب من محيطه، وفي الوقت ذاته يعمل على ترهيبه بواسطة القوة الجامحة. وحرص الكتّاب الإسرائيليون على تجنب ذكر المقاومين اللبنانيين، لحصر الصراع فقط مع الفلسطينيين والسوريين، وإظهار الشعب اللبناني كفئة مرحبة بالغزو الإسرائيلي، للتخلص من عبء الوجود السوري والتجاوزات الفلسطينية.

علماً بأن الكتّاب الفلسطينيين الذين تناولوا تلك الحرب، لم يتعدَ عددهم أصابع الكف الواحدة، وجلّهم من القادة العسكريين الذين شاركوا بالتصدي للقوات الغازية. وفي سردهم لسير المعارك، غيبوا الى حد كبير دور القوى اللبنانية من حركة أمل والأحزاب الوطنية، وكذلك التضحيات التي بذلها الجيش العربي السوري. وكتب بعضهم بخلفية حزبوية ضيقة، بحيث عمد الى إبراز دور التنظيم المنتمي إليه، على حساب جهد الآخرين وتعبهم ومشاركتهم. ولم يتوانَ عن "تعظيم" المعارك التي دارت ضمن القطاعات المسؤول عنها، فأفرد لها الصفحات والفصول، في حين تجاهل مواجهات ومعارك أكثر أهمية من التي تناولها. فبدا تعامله مع الحرب من زاوية الرواية الشخصية الضيقة، ولم تقارب برؤية موضوعية تتناسب مع شموليتها، كونها واحدة من الحروب العربية الإسرائيلية الرئيسة.

أما الكتاب والصحفيون الأجانب أمثال باتريك سيل وروبرت فيسك وآلان مينارغ وجوناثان راندل وغيرهم، فلم يقاربوها كحدث حربي قائم بذاته، بل كواحد من فصول الحرب الأهلية اللبنانية الدامية. وقد تناولوها بأسلوب صحفي يضيء على الظروف السياسية المحيطة بها، ويركز على تداعياتها الإنسانية من خلال مشاهداتهم الشخصية. أما مجريات المعارك العسكرية، فقد بانت في كتاباتهم من خلال مقابلات مع عدد من المعنيين بصناعة الحدث، أو عبر جمع بعض النتف عن وقائعها الميدانية، لكن من دون الغوص في تحليلها وتفسير مضامينها. كل الشكر لهؤلاء الصحفيين والكتاب الأجانب الشجعان، الذين كانوا العين الشاهدة على مجازر الحرب الإسرائيلية وجرائمها.

وبخصوص الإستفاقة على حرب طواها الزمن، فمردها أن السيناريو الذي اتبعته القوات الإسرائيلية، آنذاك، يُطرحُ (منقحاً من جديد) على طاولة هيئة الأركان الإسرائيلية كأحد الخيارات الحربية، للتعامل مع لبنان ومقاومته بصورة أكثر دراماتيكية هذه المرة. فبعد فشل نظرية "النار عن بعد" في "حرب لبنان الثانية"، ومعها الاستخدام المحدود للقوات ضمن نطاقات جغرافية ضيقة، عاد الحديث بقوة عن المناورة والجيش المناور، ودور القوات البرية كأساس لا غنى عنه، في المواجهة المقبلة التي قد يتسع مداها، لتشمل مناطق جغرافية لبنانية واسعة، في محاكاة لتجربة غزو العام 1982. وقد استوفى هذا الغزو شروط الحرب ومعاييرها بالمفهوم العسكري، وسمّتها إسرائيل "حرب لبنان الأولى"، في حين أطلق عليها الفلسطينيون الحرب الخامسة. لذا ارتأينا بأنه من المفيد إعادة فحصها، واستخلاص دروسها من زاوية علمية، لكشف نقاط القوة والضعف فيها من الناحيتين الاستراتيجية والتكتيكية، والاستفادة من ثغرات تجاربنا ومراكمة خبراتنا، لكي لا نلدغ من الجحر الصهيوني مرتين.

الصفحات