أنت هنا

قراءة كتاب الفلامنجو يهاجر من تلمسان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفلامنجو يهاجر من تلمسان

الفلامنجو يهاجر من تلمسان

كتاب "الفلامنجو يهاجر من تلمسان" ، تأليف خليل خميس ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

تلمسان

شمالها البحر المتوسط وهي في شمال غرب الجزائر، تقع تلك المدينة الوادعة، انها تلمسان حديثا وأغادير قريبا، انها عاصمة الزيانيين التي إن دخلتها تنفست عبق التاريخ، تتناثر الجبال في كل الجهات كمن يحرس درة مكنونة، أجواؤها المعتدلة تتناغم مع روعة سكانها وأخلاقهم، فحين تتحدث إليهم يفرضون عليك احترامهم للرقي في التعامل الذي يتنفسونه في كل مواقفهم، لا تخطىء عيناك شجر الزيتون والعنب والتوت الذي يحلو للتلمسانيين أن يدعوه بحب الملوك، إنها مدينة ساحرة بتفاصيلها المتحفية والحديثة، من يزرها في الوهلة الأولى يصاب بالإبهار، فعاصمة الزيانيين تملك كل ما يجعلها تأسر العيون والعقول، ومن يغادرها اثر زيارته الأولى سيشعر بالحنين إليها والرغبة للعودة اليها عدة مرات ومرات، في وسط المدينة يوجد بيت الحاج علي، لديه ثلاث بنات وابن واحد، أكبر البنات اسمها أسماء، كان والدها ينظر إليها بإجلال واحترام، يرى فيها الطفلة المدللة رغم بلوغها السادسة والعشرين، تمتلك جبالا شاهقة من المحبة والتواضع والرقة، كان الجميع يحترمها ويسعى لاسترضائها، هي لا تحمل على أحد أية ضغينة أو حقد أو زعل، دائما تلتمس العذر للآخرين مهما أخطأوا بحقها، وهي دائمة التعرض للإحراج ومحاولة التحرش العيني واللفظي، لأن جمالها الأخاذ جعلها تعيش في قلق وحذر، ذات مرة مدير المؤسسة التي تعمل فيها أخذ يدخل مكتبها ويخرج على غير العادة، بحجة أنه يبحث عن شيء مفقود لم يسمه، لكن مكر الرجال لا حدود له ومكر النساء وذكاءهن لا يجاريه أحد، كان يحاول أن يختلس النظرات ليرى ذلكم القمر الذي أضاء شعاعه أرجاء المكتب، كانت المتاعب غير المتوقعة تلاحقها في كل مكان، لكنها صبورة ولا تنظر إلا إلى الأمام، فقريناتها في العمل تأكلهن الغيرة على ذلك الجمال النوراني والشخصية الدمثة الجميلة، في أخلاقها فيختلقن الأراجيف عليها حتى إنها لم تنجُ من وشايتهن البهتانية لدى المدير الذي كان يبحث عن سبب ليخضع ذلك الجمال لسلطت، ويمرغ قامته في أرض القبح التي يقف عليها، لكن جمال الروح لديها كان أكبر من جمال الجسد الفاني، لم ترد على أي إساءة سوى بالهدوء ثم الهدوء واللامبالاة، فهناك الكثير في الحياة ما يستحق أن يعيش لأجله المرء، ولم تضييع الزمن في قلق وانزعاج؟ كانت هذه هي وصفتها السحرية في التعامل مع كل إساءة أو استفزاز، فيتحول الآخر إلى عابد لآلهة يسجد لها طالبا المغفرة والعفو، كان والدها فخورا بها في كل محفل يكون فيه وسط العائلة، كان يناديها بجوهرتي، فيثير الأمر غيرة لدى أختيها فيضحك الأب، وهي تبادله الكثير من الحب والاحترام والتقدير، هي لا تنسى تلك الليلة المظلمة التي كان الجميع قد ذهب فيها ليستمتع بحفل الزفاف، بينما هي قضتها في كتابة بحثها، وكان معها والدها فقط يساعدها في ذلك العمل المضني إلى أن انتهت ما قبل الفجر بقليل رغم كبر سنه، فاستطاعت ان تحصل فيه على امتياز بعدما سلمته في ذلك اليوم، هي لا تنسى كيف أنه لم ينم حينما مرضت ذات مساء وظل جالسا أمامها، هي لا تنسى حينما خجلت من عطفه وحنانه الكبير حين وضع يده على جبهتها وآثار الإرهاق باد عليها، وبدأ يتمتم بكلمات يبدو أنه يدعو فيها الله ثم قال:

- يا ابنتي أنت قديسة لن ينساك الله·

كان والدها يمثل لها الكثير، تحب منهجه الثابت في إدارته للحياة، وفي كل يوم تتعلم منه مبدأ جديدا لتجعله ماثلا أمامها لتسير على نهجه، كانت تتمنى أن ترزق زوجا لديه خاتم الحنان والشفقة كوالدها، تقدم إليها الكثير من العرسان لكنها ترفضهم جملة وتفصيلا، تجد أن هناك الكثير من الثغرات فيهم، والدتها تعاتبها: -

- يا ابنتي صديقاتك قد تزوجن وأنت تقتربين من الثلاثين·

- لا بأس يا أمي مادمتم لم تملوا مني فسأبقى معكم إلى أن أموت (تضحك)·

أخوها سعيد وهو يكبرها بربيعين لديه قدرة على تعلم اللغات الأجنبية، فهو بالإضافة للغته الأم يتقن الفرنسية والإنجليزية والإسبانية ، هو يحبها أيضا لأنها تلبي طلباته دون تذمر، فتصنع له ما شاء من حلويات، خاصة (المقيرط) وغيرها من إبداعاتها في الطبخ، تقدم له دائما النصيحة في اتيكيت اللباس والهندام حتى يكون مثار جذب للفتيات وتضحك عليه، فيستفزها بأنه وجد لها عريسا وهو جارهم العجوز، فتضربه بيدها على ظهره ويستمر بالحديث: -

- ماذا به جارنا سي محمود، مازال شابا وقد تزوج خمس مرات ولديه اثنا عشر حفيدا·

- ألا تسكت قليلا أيها المشاغب (أسماء)

- تصوري أنك لو تزوجتيه سيزيد عدد الأحفاد لديه بعد ذلك (يضحك)

الصفحات