أنت هنا

قراءة كتاب المغمور من أديان الشرق الأوسط

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المغمور من أديان الشرق الأوسط

المغمور من أديان الشرق الأوسط

كتاب " المغمور من أديان الشرق الأوسط " ، تأليف د.

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 8

2- الأديان التي تفرعت عن الأديان الرئيسة الثلاثة، أو حملت آثارها كأديان الدروز والبابية والبهائية والأزلية وشهود يهودا والسامريين، من بين سواها من التقاليد الروحية.

على الرغم من أن معتنقي الأديان المشار إليها في الصنف الأول أعلاه لا يضطلعون بأدوار اجتماعية أو سياسية حاسمة، مقارنة باتباع الأديان الرئيسة، فإنه من المهم للمرء أن يلاحظ أن مجرد بقائها حتى اليوم إنما يشير إلى حقيقة مفادها أنها قد إجتازت اختبار الزمن وتجاوزت ما تعرضت له من مِحن وحملات وإساءات من قبل أتباع الأديان الرئيسة التي تحتضن أصلاً مبدأً تبشيريًا يرنو إلى ضم أتباع ديانات الأقليات إلى الإسلام أو إلى المسيحية، اللّهم باستثناء اليهودية لأنها ليست من الأديان التبشيرية.

إن أديان الأقليات تشكِّل حالة بقاء وتواصل روحي تستحق الرصد والتحليل لأنها تجاوزت محاولات الإذابة والامتصاص في فضاءات الأديان الكبيرة، ولأنها تقاليد دينية لم تنقرض بسبب ما تكمن عليه من عناصر الوجود وتواصل الحياة، وهي حال تستحق البحث والدراسة كذلك، خاصة وأنها أديان متبعة في إقليم تمتطيه العصبيات الدينية وعواطف الغلو والتحاملات الطائفية، هو إقليم يحيا اليوم عصر الحروب الدينية والطائفية الذي طوته أغلب دول العالم بعد أوربا منذ زمن طويل.

ومن ناحية ثانية، يمكن لدراسة هذه الديانات الثانوية أن تلقي الأضواء على صفات جوهرية تحتفظ بها أقوام الشرق الأوسط المتنوعة اليوم، فتساعد على مباشرتها من المنظورين التاريخي والمعاصر على سبيل الاستنارة. يشكِّل أتباع كل واحد من هذه الأديان تمثيلاً للأنماط السلوكية والاجتماعية التي ميّزتْ ما سُمِّي بـ"أديان المضطهدين" وحافظتْ عليها (14) ، فهي أديان يعتنقها أقوام عرفت بقدراتها الاستثنائية على القتال وعلى المناورة، تجنبًا لمحاولات الضم أو الإبادة الجماعية. إن أتباعها هم جزء لا يتجزأ من فسيفساء أقوام الشرق الأوسط لأنهم لا يمكن أن يكونوا قد جاءوا من فراغ. لذا يتعذر فهم وإدراك روح شعوب الشرق الأوسط دون إدراج أتباع هذه الأديان ضمن جهد المرء لإجراء مسح تعريفي ووصفي لأقوام الشرق الأوسط، فهم يكمِّلون الصورة السكانية لهذا الإقليم الذي أطلق عليه عنوان "إقليم المفارقات". ولا تقل أهمية في هذا السياق هي ملاحظة أن كل واحد من هذه التقاليد الدينية له تاريخ خاص به، وهو تاريخ يمكن أن يساعد على إلقاء الضوء على جوانب معينة من مجتمعات الإقليم، ماضيًا وحاضر.

وكما يصعب فهم الشرق الأوسط دون الإحاطة بأهميته الجيوستراتيجية المتمثلة بالممرات المائية وبما تختزن أراضيه من ثروات طبيعية، فإنه من الصعب كذلك فهم الإقليم دون الاهتمام بما ينطوي عليه من أهمية متجسدة بـ"الجغرافيا المقدسة" (التي شكلتها تواريخ الأديان) في الثقافة، أي الجغرافيا التي لابد أن تضم هذه التقاليد الدينية الثانوية موضوع الفصول التالية، ليس لأنها، طبقًا للمواقف المتحاملة للكثير من أتباع الأديان الرئيسة، لا تتطابق في عقائدها وفلسفاتها مع ما تمَّت تعبئة الأغلبيات به من عقائد وأفكار عن الرب والملكوت، ولكن لأنها قد أُهمِلت لزمنٍ طويلٍ من قِبَل الباحثين المحليين أنفسهم، ومن سواهم من الأجانب الذين دأبوا على الذهاب صوب "إقليم الكتَّاب المقدس" بدوافع جُلَّها ديني مبتسر، وربما بدوافع نفعية من النوع الذي ساد استشراق عصر الثورة الصناعية. لذا فإنه من الأغراض الأساسية التي توختها الصفحات التالية هو تعريف القُرَّاء بثلاثٍ من هذه الأديان المغمورة التي انتهى بها المطاف إلى صنف "أديان المضطهدين"، لأنها معتنقة من قِبَل أقليات صغيرة قد لا تقل أهمية، من الناحية العلمية، عن سواها من أغلبيات أتباع الأديان الرئيسة، إذا ما أراد المرء الإحاطة بالشرق الأوسط وبشعوبه وعقائده على نحو شامل خال من الخيلاء أو التحامل (15).

بالرغم من حقيقة مفادها أن هذه الأديان قابعة في الظل، خارج متناول الباحثين المتوجهين إليها من داخل وخارج الإقليم، ونظرًا لتعمد إخفائها من قبل الأنظمة الشمولية التي توالت على حكم أغلب دول الإقليم بهدف تجسيد دور الأديان الرئيسة أو "الأديان الرسمية" فقط، فإن ما شهدته الأعوام الأولى من القرن الجاري من تفاعلات اجتماعية وانقلابات جذرية قد قادت إلى دفع هذه "الأديان المنسية" إلى المقدمة بعد أن بقيت كامنة في الخفاء بعيدًا عن العالم الخارجي وعن متناول الباحثين لأسباب عدة.

الصفحات