أنت هنا

قراءة كتاب هكذا تكلم زرادشت - للمجتمع لا للفرد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
هكذا تكلم زرادشت - للمجتمع لا للفرد

هكذا تكلم زرادشت - للمجتمع لا للفرد

يُعدّ كتاب "هكذا تكلم زرادشت" أ

تقييمك:
4.666665
Average: 4.7 (3 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
2
 
وانحدر زرادشت من الجبال فما لقي أحداً حتى بلغ الغاب حيث انتصب أمامه شيخ خرج من كوخه بغتة ليفتش عن بعض الجذور والأعشاب، فقال الشيخ:
 
- ليس هذا الرحالة غريباً عن ذاكرتي، لقد اجتاز هذا المكان منذ عشر سنوات، ولكنه اليوم غيره بالأمس.
 
لقد عرفت زرادشت، هذه عينه الصافية، وليس على شفتيه للاشمئزاز أثر، أفما تراه يتقدم بخطوات الراقصين.
 
لقد تبدلت هيئة زرادشت، إذ رجع بنفسه إلى طفولته. لقد استيقظت يا زرادشت فماذا أنت فاعل قرب النائمين؟
 
كنت تعيش في العزلة كمن يعوم في بحر، والبحر يحمل أثقاله، وأراك الآن تتجه إلى اليابسة، أفتريد الاستغناء عمن حملك لتسحب هامتك على الأرض بنفسك؟
 
فأجاب زرادشت: إنني أحب الناس.
 
فقال الشيخ الحكيم: إنني ما طلبت العزلة واتجهت إلى الغاب إلا لاستغراقي في حبهم، أما الآن فقد حولت حبي إلى الله، وما الإنسان في نظري إلا كائن ناقص، فإذا ما أحببته قتلني حبه.
 
فأجاب زرادشت: ومن يصف لك الحب الآن! إنني لا أقصد الناس إلا لأنفحهم بالهدايا.
 
فقال الحكيم القديس: إياك أن تعطيهم شيئاً، والأجدر بك أن تأخذ منهم ما تساعدهم على حمله، ذلك أجدى لهم، على أن تغنم سهمك من هذا الخير، وإذا كان لا بد لك من العطاء فلا تمنح الناس إلا صدقة على أن يتقدموا إليك مستجدين أولاً.
 
فأجاب زرادشت، أنا لا أتصدق، إذ لم أبلغ من الغنى ما يجيز لي أن أكون من المتصدقين.
 
فضحك القديس مستهزئاً وقال: حاول جهدك إذن إقناعهم بقبول كنوزك، إنهم يحاذرون المنعزلين عن العالم، ولا يصدقون أننا نأتيهم بالهبات. إن لخطوات الناسك في الشارع وقعاً مستغرباً في آذان الناس. إنهم ليجفلوا على مراقدهم إذ يسمعونها فيتساءلون: إلى أين يزحف هذا اللص؟
 
لا تقترب من هؤلاء الناس. لا تبارح مقامك في الغاب، فالأجدر بك أن تعود إلى مراتع الحيوان، أفلا يرضيك أن تكون مثلي دباً بين الدببة وطيراً بين الأطيار؟
 
فسأل زرادشت: وما هو عمل القديس في هذا الغاب؟
 
فأجاب القديس: إنني أنظم الأناشيد لأترنم بها، فأراني حمدت الله إذ أسر نجواي فيها بين الضحك والبكاء، لأنني بالإنشاد والبكاء والضحك والمناجاة أسبح الله ربي، ومع هذا، فما هي الهدية التي تحملها إلينا؟
 
فانحنى زرادشت مسلماً وقال للقديس: أي شيء أعطيك؟ دعني أذهب عنك مسرعاً كيلا آخذ منك شيئاً.
 
وهكذا افترقا وهما يضحكان كأنهما طفلان.
 
وعندما انفرد زرادشت قال في نفسه:
 
- إنه لأمر جد مستغرب، ألم يسمع هذا الشيخ في غابة أن الإله قد مات؟(1)
 
______________________
 
(1) هذه الخطوة الأولى. وسنرى أي إله يقول نيتشه بموته، وأي إله يتجه هذا الفيلسوف إلى اكتشافه في سريرة الإنسان.

الصفحات