قراءة كتاب علم البديع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
علم البديع

علم البديع

كتاب " علم البديع " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

تمهيد

البلاغة هي فن القول، فن جمالية الخطاب الأدبي، الذي تتميز لغته من لغة الخطاب العادي بما فيها من «عدول» أو «انزياح» عن الكلام المتداول المألوف.

وقد مثّلت ظواهرَ «العدول» هذه البلاغةُ بمباحثها المختلفة التي استوعبتها علوم البلاغة العربية الثلاثة: المعاني، والبيان، والبديع؛ إذ مثّل كلٌّ منهما وجهاً من وجوه الظاهرة الجمالية في الأسلوب العربيّ.

والبلاغة التي هي فن القول الجميل، قد تُستعمل - شأن أي كلام - في الحق والباطل. وحديث رسول الله r «إن من البيان لسحراً»[2] يحتمل المدح والذم، فقد يكون الكلام ساحراً خلاباً يحمل المتلقي على التأثر بالموعظة والحكمة وقبولهما، وقد يكون لتزييف الحقيقة، والسحر عنها، والترويج للباطل بكلام منمّق جميل.

ولذلك حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من استغلال البلاغة وجمال القول، في الباطل وخداع الناس، واستئكال عقولهم، فقال عليه الصلاة والسلام: «من تعلّم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال - أو الناس - لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً»[3].

ومن ثم فلا صحة لما ذهب إليه بعض الدارسين من تعميم عندما قال: «يسعى المختصون اليوم إلى وقف استخدام البلاغة، نظراً لاستغلالها السيّئ السمعة، فعن طريقها يمكن تضليل مجموعة بشرية ضخمة جداً، ودفعها للقيام بأعمال مدمرة تحول دون التقدم الراقي، وإدراك السمو، وعن طريقها يمكن اللعب بعقل صبية صغيرة، أو النصب والاحتيال على تاجر مسكين أو أجير.. وما أكثر الأمثلة التي يشار فيها إلى اللسان كمسبب أول للجريمة، إنها مصنع الأكاذيب والشائعات..»[4].

فالبلاغة قول، وكلُّ قول فيه الحق والباطل، فهل يُحَرّم الكلام، أو يُمْنع، لأن قوماً يَسْفهون ويكذبون؟ وهل استخدام الأمور في الباطل مقصور على البلاغة أو الكلام وحدهما؟ أليس هذا مما ينطبق على كلِّ شيء؟

إن البلاغة فن راقٍ عظيم، وكلام الله في القرآن الكريم ذروة سنامها، ثم يليه حديث رسول الله r، وقد كانت وسيلة لإيصال شرع الله الحقّ إلى الناس بطريقة مؤثرة مقنعة، نفذت إلى العقول والأفئدة، فكانت سبباً في الانتقال من الكفر إلى الإيمان، ومن الضلالة إلى الهداية.

لقد كان من أغراض البلاغة العربية الكبرى - كما ذكرنا في الجزء الثاني- إبراز أسرار الأسلوب القرآني، والوقوف على طاقاته التعبيرية الهائلة التي أعجزت أهل اللَّسَن في كلِّ زمان ومكان، ثم صارت علماً معيارياً يقاس به جمال الكلام، وتعرف خصائصه التعبيرية.

وعلم البديع هو أحد علوم البلاغة الثلاثة، وله - في الكلام - وظيفةٌ لا تقل أهمية عن وظيفة كلٍّ من علمَي البيان والمعاني، ولكل لون من ألوانه جماليةٌ خاصة سنتحدث عنها عندما نعرض عنه.

والبديع بالذات من بين علوم البلاغة التي ظلمت قديماً وحديثاً، إذ حسبه بعضهم هامشياً ثانوياً لا يرقى إلى مستوى البيان أو المعاني، أو يُغني غناءهما.

نُظر إليه على أنه حلية، أو زينة، أو زخرف، وكان لتسمية ألوانه بالمحسنات بنوعيها: المعنوي واللفظي، أثر في ترسيخ فكرة كونه كالزينة أو التحسين.

كما كان لتعريفه على أيدي البلاغيين القدماء بأنه «علم يُعرف به وجوه تحسين الكلام، بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ووضوح الدلالة» أثر في هذه الهامشية التي ينظر بها إلى البديع، إذ إن هذا التعريف كأنه لا يدخل البديع في مقتضى الحال، ولا يعدّه جزءاً من هذا المقتضى الذي هو جوهر البلاغة.

ولقد زاد الطينَ بلَّة فيما يتعلق بالتهوين من شأن البديع الأدباء أنفسهم، إذ استكثرت طائفة من الشعراء من ألوانه وفنونه استكثاراً مبالغاً فيه، وراحت تتسابق بل تتفاخر في حشده في الكلام حشداً غير فني، فكان سبباً في إرهاق الكلام وإغراقه في الصنعة والتكلف.

وكان التعقيد والتكلف في البديع قد بدأا على أيدي المحدثين من شعراء العصر العباسي، كبشار، ومسلم بن الوليد، وأبي تمام، ثم أبي العلاء المعري وغيرهم، ثم «تكونت منذ أواخر الفاطميين مدرسة حملت لواء المحسنات البديعية، وأشاعتها في شعرها ونثرها، مضيفة إليها لوناً جديداً هو لون التورية..»[5].

ثم اختصت بالبديع قصائد بأعيانها بدأت تظهر منذ منتصف القرن السابع الهجري، وسميت هذه القصائد «البديعيات».

وهي قصائد معظمها في مديح النبي صلى الله عليه وسلم، وهي ترمي إلى جمع ألوان البديع في قصيدة واحدة، فبديعية ابن حجة الحموي مثلاً بلغت ألوان البديع فيها مئة وأربعين نوعاً، وبلغت هذه الألوان مئة وثمانية وستين نوعاً في بديعية الشيخ عبد الغني النابلسي، وزادت على هذا العدد عند غيره.

الصفحات