أنت هنا

قراءة كتاب النص الغائب في ( أولاد حارتنا ) لنجيب محفوظ دراسة في تفاعل النصوص

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
النص الغائب في ( أولاد حارتنا ) لنجيب محفوظ دراسة في تفاعل النصوص

النص الغائب في ( أولاد حارتنا ) لنجيب محفوظ دراسة في تفاعل النصوص

كتاب " النص الغائب في ( أولاد حارتنا ) لنجيب محفوظ دراسة في تفاعل النصوص " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

ولذلك اختطّ الباحث لنفسه منهجاً يرى أنّه يعمل على هداه منذ سنوات، سواء في قراءته الشعر، أم القصة القصيرة، أم الرواية، وبمكنته تحديده بسمة عامة تنتظمه كليّاً، وبسمات هي خاصة بهذا الكتاب، أمّا السمة العامة فهي الانطلاق من (النص) نفسه بلا إهمال للجوانب الأخرى التي اصطلح عليها بـ (ما حول النص)، فهو ينتفع بها، ويراها أشبه بصُوى الطريق تضيء جوانب من النص بلا إفراط في الاتكاء عليها، غير أنَّ النصّ يظلّ نقطة النور الأولى، وهذا محتاج إلى أدوات، واستعداد يرى أن يتنكّب في الحديث عنها، إذ مجال الدرس نفسه هو خير لسان· أمّا السمات الخاصة بهذا الكتاب فمن الممكن تلخيصها في المعايشة المستديمة لنص (أولاد حارتنا)، معايشة أدّت إلى قراءتها عشرين مرة، ويزيد، وكلّ قراءة تختلف عن سابقتها من حيث الكشف، والوقوع على مدلولات كانت مستترة في القراءات الأولى، ومردّ هذا إلى النصّ نفسه الممتليء خصوبة، وحيوية، ورافق تلك المعايشة اطلاع كافٍ على (ما حول) أولاد حارتنا من إشكاليات، وما رافقها من غبار، ولغط، وساعد ذلك الاطلاع على فتح كوّة صغيرة في عالم الرواية عمّقت من الفهم، ورؤية البعيد القاصي من أسرارها، وتأتي مرحلة أخرى هي أقرب إلى التحوّل الجوهري في منهج هذا الكتاب، ونعني بها الانغماس في (أدبيات) هذا المنهج الذي ستُقرأ الرواية على ضوئه، وهو (النص الغائب)، وقبله المفهوم (الجديد) للنص، ونظرية الاستقبال، أو استجابة القاريء، وظنَّ، ومال إلى اليقين، والظنّ لا يغني عن الحق شيئاً، أنّه استوفى جانباً كبيراً من تلك (الأدبيات)، غير أنّه يعلم أنَّ هناك المزيد، ولكنّها بمجملها تشير إلى رؤية متقاربة، وفهم متشابه، وإن اختلفت أساليبها، وتنوّعت فيما بينها طولاً، أو قصراً، عمقاً، أو سطحية، فإذا فرغ من ذلك كلّه عمد إلى النّص (يقرؤه) على هدى (المخزون الجديد) غير ملتفت كثيراً إلى ما قيل قبله سواء من حيث المنهج، أم المصطلح، أم آلية التطبيق، وإنّما كان النص منطلقه، وعمود عمله، وبما أنَّه يعلم أنّه بإزاء عمل فريد، نادر التكرار فقد احتشد له (فحصاً)، و(حفراً)، و(تأويلاً)، وتمكّن من استنبات أمرين هما بمثابة الوحدة القارّة في الأعماق، تلك التي تلمّ شتات التفاصيل الكثيرة المتشعبة، أولهما هو إنَّ محفوظ بعمله هذا إنّما يكتب تاريخ البشرية وفق نظرته الخاصة، وفهمه الشخصي مصطفياً لذلك التاريخ الأسلوب القصصي الذي هو به خبير، وجوهر فهمه للتاريخ يقوم على (أنسنة) حوادثه، وشخصياته، واستبعاد كلّ ما يخدش تلك (الأنسنة)، وهذا هو الأمر الثاني، ولذلك نعتقد أنّ مَنْ اتخذ موقفاً معادياً لمحفوظ وروايته إنّما كان يتطلّب منه أن يكتب التاريخ روائياً وفق نظرته هو، لا وفق نظرة محفوظ نفسه، وهذا هو عين القمع، والاضطهاد الفكريين، ونعتقد مرة أخرى أنَّ محفوظ سخّر إمكاناته، كما سنرى، الإبداعية، والثقافية في إنتاج هذا النص الطويل، والمبهر على هدى تلك النظرة، ومن هنا جاءت غزارة (النصوص الغائبة)، ووفرتها للسببين السابقين، فهو يفيد من الموروث الديني، والفلسفة اليونانية، وحركة التنوير، وأعلامها، والفلسفة الحديثة، أقول يفيد من ذلك في سبيل بناء نصّه (الخاص) بعد عمليات مضنية من التحويل، والتغيير لذلك التراث المتراكم، والمتلاحم في آن واحد، وهذا هو في الوقت عينه اللبّ في هذا الكتاب، وهو تتبّع تلك (النصوص الغائبة)، وكشفها لتحقيق غرضين، أولهما معرفة المنابع الثقافية لهذا النص المتميّز، والقاعدة الفكرية الصلبة التي يستند إليها، وثانيهما التعرّف على عمليات التحويل المشار إليها سابقاً، وذلك حين استحالت تلك المنابع الثقافية كلّها إلى (أشياء) أخرى توظّف لصالح العمل الروائي، ولا شيء سواه، فهو لم يقل إنّه يكتب تاريخاً، ولكنّ مناخ الرواية العام يشير إليه، وهو لم يبيّن أنّه يفيد من هذا، وذاك الذي ذكرناه، ولكنّ (الحفر) أدّى إليه، وهو لم يصرّح بـ (الأنسنة)، ولكنّ الكتاب رصد مكامنها، وهي مبثوثة في ثنايا النّص، نعم، هو لم يقل، ولم يبيّن، ولم يصرّح، وليست مهمَّته أن يصنع هذا، بل مهمته أن يكتب، ومهمة (القاريء) أن يقول، ويصرّح، ويكشف، ويحفر، ولعلَّ شيئاً من ذلك قد تحقّق هنا، وهو ما يرجوه·

د· وليد محمود خالص

مسقط

شتاء 2009

الصفحات