You are here

قراءة كتاب الأوديسة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأوديسة

الأوديسة

كتاب " الأوديسة " ، تأليف هوميروس ترجمه إلى العربية دريني خشبة ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 4

وشاع بارق من الأمل في نفس تليماك فقال: «ويحك أيها الصديق! إنني أنا ابن أوديسيوس ما في ذلك ريب، والعالم كله شهيد على ذلك».

ثم اختلطت الزرقة بالخضرة في عيني ربة الحكمة وقالت: «على رسلك ياتليماخوس! إذن فما هذه الولائم وتلك السمط؟ وهذا الزحام من أين أقبل؟ إني لأقلب ناظري في القوم فلا أرى شريفًا ذا حسب يستأهل أن يحتفى به أو يقام له وزن!».

ويبتئس تليماك ويجيب: «أيها العزيز.. لقد هاجرت الفضيلة من هنا في أثر المهاجر العظيم، وكأنها آلت ألا تعود إلا معه! وكان هو، تداركته السماء! يلقنها هؤلاء بنظرة واحدة تكفي لتزول منها الجبال... واأبتاه! لقد أطمع العاديات فينا بطول نأيه. فيا للنوى(9)! إننا لا ندري اليوم أين مقره ولا أيان مستودعه. ولو قد سقط تحت أسوار اليوم لاجتمع الإغريق من كل حدب هنا... هنا في حاضرة إيثاكا ليذرفوا دموعهم من أجله، وليقيموا له نصبًا عاليًا رفيع الذرى شاهق الأوراق، وليكتبوا اسمه الكريم في صحائف صدورهم بمداد أبدي من التبجيل... ولكن!.. واأسفاه!... لقد انتصر انتصار الأبطال، ثم مضى على وجهه في فجاج البحار، وغدونا لا تحلم العين بنظرة مفردة منه، ولا الأذن بلفظة عذبة من لسانه المبين!... تباركت يا آلهة الأولمب! ماذا عندك من الأقضية المخبوءة لي؟ الذئاب! إي يا آلهة، هذه الذئاب! وحوش البرية التي اجتمعت من كل فج.. من الجزائر المتناثرة في البحر، ومن المدائن المترامية في البر... من ساموس، ودلشيوم وزاكنثوس، ومن كل إقليم وكل مصر.. كلهم يرابطون حول هذا القصر ولا يستحيون... الفساق! الأوشاب العرابيد! يطلبون يد الزوجة الوفية.. الأم المكلومة... بنلوب! بنلوب الباكية المحزونة المصدعة! كنز أوديسيوس الذي لا يفنى! يطلبون يدها ولا يرحمون وفاءها وبكاءها ولأواءها... فلا تستطيع أن تردهم لعجزها، ولا تستطيع أن تجيبهم وهي لا تدري من أمر زوجها شيئًا... وهم طوال هذه السنين يريغون نعماء أبي، فكهين في أشربات وآكال، حتى أقفر الزرع وجف الضرع، وما أحسبهم مبقين على شيء... حتى عليّ!».

* * *

وانثال الحنان في فم مينرفا، إذ هي تجيب الفتى المحزون بقولها:

«ويح لك أيها الفتى! رحمتا لك يا بني الصغير! أواه! لو أن أباك هنا اليوم ليذود أولئك المناكيد! وحق السماء لو أنهم رأوه وهو يلاعب رمحيه أو يداعب سهامه لأجفلوا وولوا مدبرين! إن له لسهامًا مسمومة سقاها أبي بعد إذ رفض أن يسمها إبلوس بن مرمريس... وهو لو صوبها إلى أولئك المفاليك لأبادهم... يا رحمتا له! إن أحدًا غير الآلهة لا يعلم إن كان لا يزال حيًا يرزق أو أنه قد ابتلعه اليم أو عاجلته المنون... تليماك! يا ابن أعز الناس عليّ! اصغ إليّ، واحفظ ما أقول: إنك لست طفلا بعد! فلم لا تشمر عن ساعد الجد وتبحث بنفسك عن أبيك! لم ترضى أن يلطخ شرف بيتك هؤلاء الفجار؟ لم لا تكلمهم بنفسك في أمر أمك؟ ولم لا تصرفهم عن هذه الدار إلى بيت جدك ليطلبوا إليه يد ابنته إن شاءوا؟ أليس أبوها أحق بهذا الشأن من كل رجل سواه ما دام أوديسيوس لم يؤب؟ لم يربضون هنا كسباع الفلاة يوهون ثروتك ويأكلون مالك ويذهبون بالأخضر واليابس مما ترك أبوك؟ استمع لما أقول يا تليماك! نبي القوم فليجتمعوا لك، ولتسمعهم كلمتك، ولتصارح أمك إن هي أرادت منهم بعلا فلتنصرف إلى بيت أبيها فهو أولى بهذا الأمر من كل أحد. ثم انهض أنت يا ابن أوديسيوس! فابحث عن أوديسيوس. أعد ما استطعت من سفين وزاد، وميرة وعتاد، ولتبحر على بركة الآلهة، فلتذهب أولا إلى (بيلوس) حيث الحكيم الباسل نسطور، ثم إلى أسبارطة حيث صاحب هذه الداهية منلوس(10)... أقلع بفلكك إلى هذين فسائلهما أين مضى أبوك فقد تقع منهما له على خبر... ولتكن لك أسوة في الفتى الجريء المقدام أورست الذي قتل قاتلي أبيه(11)، وفيهم أمه... بوركت يا أورست! بوركت يا أورست! هلم يا تليماك فقد تعود بأبيك حيًا فيرد الشرف والمجد إلى هذا البيت؛ وقد تعود به ميتًا فترفع ذكره، وتقيم طويلا عنهم... وكلي يقين يا بني أن تقدر نصيحتي وعلى الآلهة فلتتوكل!».

وحين انتهت مينرفا من هذا الحديث، حدجها تليماك بنظرة ثم قال: «أيها الصديق حبًا، ويا أبر الأوفياء سمعًا! لقد أيقظت فيّ ضميرًا أنت أحييته، فألف شكر لك... أبدًا لن أنسى كلمتك: أنا ابن أوديسيوس! فلأبحث عن أوديسيوس، وحاول الفتى أن يقدم لمحدثه هدية سنية تكون تذكارًا لهذا اللقاء، ولكن مينرفا شكرته وأبت أن تأخذ شيئًا، ثم قالت «إذا نجحت في مسعاك يا بني فسوف أعود. وسوف أقبل أية هدية منك!».

ثم انطلقت ربة الحكمة، ذات العينين الزبرجديتين. ولشد ما ذهل الفتى ووقف مسبوهًا مشدوهًا حين رأى هذا الأمير (منتس) ينتفض انتفاضة هائلة فيكون نسرًا كبيرًا يضرب الهواء بجناحيه، ثم يعلو ويعلو... فيكون في السماء ويغيب عن ناظريه؟

ولم يحس الفتى يومًا بما أحس به الساعة من هذه الذكريات الملحة على فؤاده تهيج فيه الشوق إلى لقاء أبيه؛ وجدد الثقة عنده وأكدها فيه يقينه أن إلها يساعده، هو هذا الضيف الذي أرسل جناحيه وغاب في السماء.

وانطلق تليماك حيث جلس الخطاب الفساق يستمعون إلى أغاني فيميوس، وحيث وجد أمه في الشرفة العليا تستمع هي الأخرى إلى تلك الأغاريد بين قيانها من وراء ستار صفيق وتبكي... وتسأل فيميوس أن يتغنى غير هذا الغناء غناء لا يثير شجوها وشجنها.. وتثور النخوة في قلب الفتى فيصيح بأنه: «علام العويل يا أماه؟ وما وقوفك هذا الموقف تسترقين الغناء؟ وما اعتراضك على المغني؟ دعيه فليتغن ما يشاء، فلقد غدونا سخرية القضاء وهزو المقادير. ولقد ذهب أوديسيوس وذهبت معه كرامة هذا البيت، وإني لصاحبها بعده... فادخلي. وليدخل معك قيانك، ولتقمن جميعًا بشئون المنزل ولتلتفتي إلى مغزلك ومنسجك، ودعي كل ما عدا ذلك للرجال... لي... لي أنا وحدي: سيد هذا القصر!».

Pages