You are here

قراءة كتاب صمت يتمدد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
صمت يتمدد

صمت يتمدد

كتاب " صمت يتمدد " ، تأليف سليمان الشطي ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

الخروج من نظرات تلك العينين كان عنده هو الأهم ؛ فقد كانت المحاولة معها بحثا عن جذوة في رماد قديم·

في الابتعاد ننفصل عن الحاضر، تسقط ذكريات الماضي· لقد تَجَوّل بين مدن كثيرة، قليلة تلك المدن التي توثقت علاقته بها، ظلت العزلة اختيارا يتذرع به· لجأ إلى الهوامش والأركان المتوارية فاختفى في ظلالها بعيدا عن العواصف التي جعلته يهرب من عيون ظل يشعر بها تطارده، لقد كان عدم الغفران يدا تدفعه بعيدا منذ أن استقر في عيني أمه ذلك الحكم الذي فشل كل الفشل في اختراقه فاختير له أن يكون واحدا من أولئك الذين تتجول أقدامهم في الشوارع البعيدة ولا تلامس وطنها إلا زائرة· تآلف مع المنافي، التي فرضت عليه أولا، ثم اعتادها فتحولت إلى اختيار·

لم يكن لديه شيء مهم، اجتاز تلك السنوات القلقة التي حاصرته بنيرانها فتشكل اعتزاله ببطء راسخ، لا يقترب كثيرا من أحد، يذكِّر نفسه دائما بأن يكون بعيدا، يسمع أكثر، ينتقي الكلمات، يستخدم أقلها، يتجنب المناكب المتلاصقة والمتدافعة التي ينسيها طموحها وقفة التأمل وعذاب النحت الداخلي·

قال لنفسه: مع الأسف، بعد فوات الأوان تعلمت كيف أكون حذرا من تأثير الكلمات، وأن تكون استجابتي مترددة، لا أندفع وراءها، فحسب الواحد أن يسقط مرة في شركها لتتعكر حياته ؛ فقد كان من الممكن أن يكون مسار حياتي مختلفا لولا تلك الاستجابة والسير وراء كلمات أخي عيسى المخدرة التي رفعت عندي رأس رجولة بغيضة· ولكن حدث ما حدث··

- ها صلوحي· أنا هنا··

صوت يحيى الآتي من التلفون الذي لم يعتد على رنينه في هذا الوقت· كانت عادة لا تنقطع· مهما تباعدت الأزمان أو تعددت الأماكن فإن يحيى عندما يهبط على مدينة هو فيها فإن سهرة تنتظرهما، ينفلت يحيى من قيوده الرسمية التي أصبحت تكبله في سنواته الأخيرة· يشعر بثقلها عليه ويعجز عن تفسير بقائه فيها· العلاقة الأخرى بين الخلصاء لا تتلاشى، السرية التي تجمع بينهما نمت وكبرت، أضحت حبلا متينا جاذبا· يتلاقيان منفردين، عادة بدأت منذ أن تعرف عليه طالبا قبل خمسة وعشرين عاما· لا يحب يحيى أن يكون معهما ثالث· أُحْرِج مرة، قبل سنوات طويلة، فوجه دعوة لأحد الملحقين في سفارة بلده كان يحيى واقفا معه يتقاذفان النكت· في تلك الليلة ظل يحيى صامتا، يتعامل برسمية طوال السهرة، وغادر بعد ساعتين متعللا بالإرهاق والصداع· في الصباح استيقظ على شتائمه، كان على الجهة الثانية من خط التلفون ينتفض غيظًا:

- إنت تريد تبيع علينا لياقة؟ تهذيبك القبيح يا ابن ستين كلب ما يجي إلا على راسي···ما تعرف إني أريد أن أهرب من هذي الوجوه الكريهة·· ضيعت سهرتنا الله يضيعك··

ولم يكرر الفعلة·

مع يحيى يتحرك عنده انفتاح قديم وحيد، تكون ونما عندما اقترب من ساحة يحيى في بدايتها، أدخله معه في همومه، نثر أحلامه أمامه، لم يخفِ مخططاته· تابع بعد ذلك، من بعيد، دورانه في فلك السلطة في بلده، راقب إشعاعه المتميز، بهرته إلماعاته الفكرية· عندما قذفته أمواج السياسة المتحركة خارج السلطة، راح يكتب في التاريخ، فاكتسب نجومية المفكر وظل دائما في الواجهة مرتفعا· رجل مثير للاهتمام، اسم اقترن بالعواصف، له حضور طاغ، معرفته واسعة· أثار كتابه تناقضات الفكر السياسي جدلا، قرأ فصولا منه، تبعها تفاعل نقاش حاد إثر كلمة له في مؤتمر عام· كان رجلا من رجال تحريك الآخرين، رافقه في مناسبات متفرقة· لم يجتز المسافة الفاصلة بين الاتصال والانفصال، كان طرفا صامتا عندما تحتدم الخصومات التي لم تكن تعنيه·

1959

Pages