أنت هنا

قراءة كتاب غرب المحيط

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
غرب المحيط

غرب المحيط

"غرب المحيط" رواية تروي حكايات الغربة والحنين من جهة، وإشكالية شرق غرب من جهة أخرى، فمن خلال تسليط الضوء على حياة عائلة في المهجر، وما يلحق بهم تباعاً من مهاجرين آخرين، ترصد الروائية التناقضات التي يعيشها الإنسان العربي في أمريكا، في ظل واقع جديد غريب عنه ف

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
غرب المحيط
 
يسكن السيد فائق أبو سند، والذي يعمل موظفا في دائرة حكومية، إحدى ضواحي العاصمة في الدور الثاني، في شقة جميلة في بناية تطل على شارع واسع نظيف ومأهول، تتكون الشقة من أربع غرف ومرافقها، إضافة إلى بلكونة جميلة يجلس عليها مساء كل يوم، يتناول فنجانا من القهوة مع زوجته السيدة سهيلة، والتي تعمل مدرسة، ويتحدث مع جاره أبو أحمد الذي يجلس هو الآخر مع زوجته على بلكونة شقته المقابلة، والتي لا يفصلها عن بلكونة السيد فائق سوى أقل من نصف متر·· براتبه وراتب زوجته توفر للعائلة ما يكفي من مستلزمات الحياة الأساسية للعيش مستورين وبسلام·· لكن وعلى غير توقع، لاحظ الجيران حركة غير معتادة في شقته، فتجار العفش المستعمل يعاينون مقتنيات البيت، من أدوات كهربائية وغرف نوم وخزائن ومقاعد وسجاد وبرادي، وغيرهم يعاين مساحة الشقة، جدرانها، دهانها، حجم غرفها، اطلالة الشبابيك وأباجوراتها، وصلاحية الأبواب والمطبخ والحمامات والأرضية·· آخرون يعاينون السيارة·· كل شيء للبيع·· للبيع وبأبخس الأسعار، وربما للتبرع فقد قرر السيد فائق التخلي عن الشقة والعفش والحياة في البلد نهائيا، بعد أن هبط عليه النعيم ووصلته وعياله فيزا الهجرة إلى الولايات المتحدة، ولم يعد أمامهم سوى توديع أيام التعب والشقاء والعيش المر الذي لا يطاق، والناس المزعجين العابسين، وصوت زوامير سيارات الغاز، وسيارات الأدوات المستعملة الروبابكيا، التي تحرم الناس متعة النوم، على حد رأي السيد فائق··· يا عمي شو هالدوشة·· هالبلد ما عادت تنطاق·· كل شيء فيها غالي، وكل شيء مزيف·· ما في مستقبل، والواحد لا يستطيع التفكير ولا التخطيط لغدِه، فبلحظة تنقلب الأمور وتفشل الخطط·· لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم·· بلاد ناشفة ما فيها جنس الروح·· يحمد الله الذي تاب عليه منها، خلّي الواحد يشوف وجه ربه·· ذهب الكثير ولم يبق إلاّ القليل ويصلون أرض السمن والعسل والمال والأمل·· أيام·· أيام قليلة تفصلهم عما حلموا به طويلا، والصبر مفتاح الفرج·· أيام ويحجزون تذاكرهم ويحزمون متاعهم ويحملون أطفالهم ويغادرون·· يستمر تذمر الأستاذ فائق كما تستمر الحركة·· والله مساكين هالناس في هالبلد·· مساكين الله يعينهم·· يلهثون وتنقطع أنفاسهم خلف الأسعار التي تلهب ظهورهم وتقفز·· فوق·· فوق ولا من مجيب·· نِفسُه مرة يسمع أن سعر سلعة ما ولو العلكة انخفض·· أبدا مش ممكن خلي هالحكومة تنهب جيوب الفقراء، وخلي هالأغنياء يزيد غناهم وتكبر كروشهم أكثر·· 
 
في بلاد العالم تزيد الأسعار اثنان ثلاثة أربعة بالمائة أما عندنا فتصل إلى ألف بالمائة، شو هالسَعرة هذه من وين بدهم الناس يجيبوا·· من وين·· والبنات يا خوي رغم كثرة العوانس شوف طلباتهن، الشاب مش لاقي شغل وما زلن يتطلبن·· وقال ليش مكشرين·· والله مجنون من يبتسم في مثل هذه الظروف·· مجنون وبيضحك على حاله بدا الانشراح والنشاط على الرجل وهو ينقل الخبر لكل من يصادفه·
 
لكن أصدقاءه وزملاءه كان لهم رأي آخر؛ فحاولوا ثنيه وتوضيح بعض ما سمعوه أو شاهدوه في تلك البلاد، من خروج عن عاداتنا وتقاليدنا، اضافة إلى الغربة التي تقصم الظهر، وقوانين العمل التي لا تراعي الأمور الإنسانية التي تعودناها في بلادنا، فالبلد بلد عمل وما في أعذار·· احنا مغترين بأمريكا والحياة فيها·· والله الجار ما بيعرف جاره·· اليوم أنا تأخرت، ابني مريض، واليوم سيارتي تعطلت، واليوم زوجتي عندها مراجعة، هذا الكلام كله غير موجود عندهم كل شيء مدفوع ثمنه، اشتغلت أكلت ما اشتغلت ما أكلت··  اتهموه بالتسرع معتقدين أنه سيعود إيد من ورا وإيد من قدام، بعد أن باع بيته وعفشه وسيارته، ووضع نفسه في موقف اللاعودة·· 

الصفحات