أنت هنا

قراءة كتاب المرآة... مسيرة الشمس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المرآة... مسيرة الشمس

المرآة... مسيرة الشمس

تدور أحداث رواية "المرآة...

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
(1)
 
ليالي السنة هنا دائما جميلة ومرحة وساحرة، خرجت من كوخي متجهة للحقل، سالكة طريقي الذي أحبه، طريقي الذي يتجنب المدافن والأكواخ والمعبد ويعبر وسط الحقول، أمرجح يدي عالياً وأترك للنسيم أن يلامس وجنتي ويتلاعب بخصلات شعري· أشعر بالبهجة والانتعاش هذا المساء، أقفز وسط سنابل القمح العالية وألوح بكفي تحية للحُصاد العائدين لأكواخهم، لقريتي داليوب·
 
قلت لجدتي مرة: أليس اسم قريتنا مضحكاً وغريباً! لم سميت بهذا الاسم؟
 
أذكر تلك الليلة جيدا، كنا أنا وجدتي داخل مطبخنا الصغير في الكوخ، هي تقف أمام الموقد، تقلب في القدر الذي يحوي طعام العشاء، وأرتب أنا على الطاولة الصغيرة الصحون والملاعق وأثرثر معها كعادتي، ومن النافذة يلوح لي شبح جدي وهو يأخذ غفوة قبل العشاء تحت السنديانة العجوز التي تبعد عن المنزل مسافة عشرين قدما·
 
عندما سألتها التفتت وحدجتني بنظرة غريبة، وفَهِمْتُ بأنني سألت سؤالا نكأ وجعاً قديماً في روحها كالعادة· حاولت الاعتذار والانسحاب··· تراجعت خطوتين للوراء·· خطوتين نحو الباب··· لكنها استوقفتني وقالت : اقتربي··· لا تخافي··
 
اقتربت - لمحت دمعة تبرق في عيني جدتي الجميلتين - ووقفت بجانبها أحدق في قدر الحساء، وأنتظر صوتها، قالت : سُمِّيَتْ من قبل عابر سبيل مر من هنا، كان ذلك منذ زمن بعيد··· زمن بعيد جداً· قبل ذلك كانت هذه القرية بلا اسم·
 
ما تمالكت نفسي وسألت: حقا··· لكن··· لم سُمِّيَتْ داليوب يا جدتي!
 
زفرة تلو الأخرى، صدر جدتي يكاد ينفجر، وجنتيها احمرتا، سكتت وعلى وجهها بانت علامات غضب، خفت وعرفت أنني ارتكبت هفوة الوقوع في الأسئلة المحظورة كعادتي، وضعت الملعقة من يدها وتأرجح صوتها بين خفوت وعلو عندما قالت بنبرة غضب: يا لفضولك يا صغيرتي·· تمنيت يوما يمر تتجاهلين فيه السؤال الذي ما إن يمر على عقلك حتى تنطقه شفتاك !
 
ثم صمتت، وأغمضت عينيها وغرقت في حلمها الخاص؛ أعرف جدتي وأعرف خاصة ما يعنيه إغماض عينيها، أدركت من الرجفة التي بدأت تهز جسدها أنها دخلت عالمها الباطن، عالم مجنون تركن فيه كل الأشياء التي لا تريد تذكرها، ضمت يدها اليسرى لصدرها وقربتني منها باليمنى، اهتز جسدها أكثر فنطقت بصوت مبحوح: سأخبرك حكاية الاسم··· بشرط··· ألا تسألي سؤالاً آخر؟
 
فهززت رأسي - المضمومة لصدرها - موافقة·
 
عندها قالت: داليوب··· يا قريتي الغريبة عن العالم الذي اعتاد عليه الغرباء وعابرو السبيل· يا للغرباء التائهين!··· يمرون بقريتنا كلما ضل أحدهم طريقه لجنته، تقوده قدماه دونما قصد فيعبر الممر الضيق بين الجبلين وينقله الزورق - الذي ننقل عليه القرابين لأبولو كل سنة - خلال البحيرة للضفة التي تقع عليها القرية· هو الطريق يقودهم؛ يسلكه كل متغرب عن عالمه· دوما ما اعتبروا أنفسهم أتوا صدفة للقرية!··· يقول الواحد منهم: وجدت نفسي دونما قصد على هذه الأرض!··· كل غريب كان يقول : تركت أرضي وسافرت بحثاً عن مدينتي الخاصة!
 
ثم صمتت وتركت رأسي وأمسكت الملعقة وبدأت تقلب في قدر الحساء· ظننت أنها فرغت من حديثها معي، أشارت للملح، فناولتها إياه، رشت ثلاث رشات في القدر، ثم تذوقت الحساء بطرف الملعقة، أكملت بعدها حديثها معي وهي مستمرة في التقليب : عابرو السبيل كانوا يصلون للقرية على فترات متباعدة، قدومهم كان يعني احتفالات وقصصاً جديدة تروى طوال الليل، نجتمع معهم حول النار ونسهر حتى الفجر··· كل زائر كان يستقبل بالبهجة والليالي الراقصة·

الصفحات