قراءة كتاب سواقي القلوب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سواقي القلوب

سواقي القلوب

في رواية "سواقي القلوب":
بفضل سراب عرفت كيف تغدو الحواس كمنجات وحاذيت السر الذي يحيل ممارسة الحب تمريناً على فعل الخلق.
ومعها بلغت ضفاف بحيرات لم أتيقن يوماً أنها كانت كامنة في خبايا جسدي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
1
 
أي أحمق، جلف القلب، ذاك الذي قرَّر أنَّ الرجال لا يبكون؟
 
أمضيت زهرة سنوات عمري وأنا أنتظر هذا الإياب وأرسم له، على صفحة الغيب، مئات الرؤى السعيدة، دون أن تكون بينها الصورة القاتمة التي أراها الآن· إذ كيف كان لي أن أحزر أنني سأعود مقمَّطاُ، لا بالغبطة كما اشتهيت، بل بأسى أسود يُثقل على القلب فيكتم أنفاسه؟
 
دخلت الى الوطن، ذات ضحى نيسانيٍّ ساخن، في سيارة اجرة تنقل ثلاثة ركاب، جالـساُ الى جوار سائقها، وفي المقعد الخلفي تكوَّمت كاشانية خاتون على نفسها، مثل صندوق عرس عتيق بهتت نقوشه·
 
ثلاثة أحياء في الداخل، وفوق رؤوسهم يقبع، على سقف السيارة، تابوت ملفوف ببطانيـة باليـة من معامل فتَّـاح باشا، بمربعات بُنيَّة وزرقاء·
 
حين لاحت لي، بعيداََََ علي يمين الطريق الصحراويِّ، نخلتان تصفِّق سعفاتهما مع لفح ريح غبراء، فاض أسـاي حتى كاد ينزُّ دمعـاً من عينيَّ· وتذكَّـرت المرَّات القلائـل التي بكيت فيـها، وأطبقت جفنيَّ، ضاغطاً عليهما بقوَّة، حابساً ضعفي وراءهما، وكأنني أمنع رجولتي من انفراط مشين· هذا ما تعوَّدتُ أن أفعله في لحظـات ضعفي، منذ أن كنت ولداً دون العاشرة، يوم شـقَّت نسـاء البيت صدورهن وتعالى صراخهن وأخذتني عمَّتي الى حجرها وخاطبتني مثل رجل صغير، قائلة إنَّ عمود بيتنا قد تهاوى·
 
أيُّ قوَّاد هو ذاك الذي حكم أن الرجال لا يبكون؟
 
كنا قد عبرنا الحدود آتين من الرويشد، وتحولَّت عيناي الى كاميرتين تدوران لإلتقاط كل الغبار والهوام والسيارات المحطمَّة واللافتات الصدئـة والصور العملاقـة الملوَّثـة بالوحل وأكياس النايلون المتطايرة مع الريح والشوك الكالح على جانبي الطريق، وكأنَّ القيامة قد قامت على هذا الجانب من الدنيا· ولمَّااستقبلتني أول نقطة حدود عراقية، تذكَّرت زمزم الذي مرَّ بهذه البقعة ، من قبل، وكان يسمِّيها: جمهورية طريبيل المستقلَّة !
 
أين أنت يا زمزم في هذه الساعة التي لا تشبهها ساعة؟ في مقهى الأُوديون تحتسي بيرتك، كفاف يومك، كما هي عادتك منذ عرفتك وعرفتني؟ أمن أجل ذلك الطقس البائس رفضت، يا حَنقَباز السمـاوة، أن تشاركني رحلة إيـابي التي تشلع القلب، قائلاً لي ببرود قاتل: إذهـب وحدك الى الجحيم؟
 
ليتك معي في هذا الجحيم، ترى ما أرى و تسمع ما يحكيه لي سائقنا الاردني الثرثار الذي يبدو أنَّه، يا ويلي، يستدلُّ على بلدي أكثر مني، وأنا ابحلق فيه مثل تلميذ نجيب عائد من إجازة مَرَضيَّـة ويريد أن يلحق بكل ما فاته من دروس، في حصَّة واحدة·
 
تعال وانظر آثار القذائف على اسفلت الطريق، والكابينات وقد تحوَّلت الى خرائب، وغرف الأمن مسكونـة بالقـطط السائبـة ، والمصرف منهوباً، والصالة التي كانت سجناً صارت مرحاضاً قذراً مفتوحاً لمن استعصى عليه الإنتظار· أما عنبر التفتيـش ونبش الحقائب فقد تمدَّد فيه جنديان حَمَّصَت الشمس وجهيهما، يغفوان القيلولة بكامل عتادهما وقد تركا دبابة مصفَّحة قرب الرصيف·
 
أتخيَّلك يا زمزم تنحني أمامي وتقول لي مرحِّباً، بطريقتك الفاجرة:

الصفحات