قراءة كتاب سواقي القلوب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سواقي القلوب

سواقي القلوب

في رواية "سواقي القلوب":
بفضل سراب عرفت كيف تغدو الحواس كمنجات وحاذيت السر الذي يحيل ممارسة الحب تمريناً على فعل الخلق.
ومعها بلغت ضفاف بحيرات لم أتيقن يوماً أنها كانت كامنة في خبايا جسدي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
6
 
 
 
شلَّني الارتباك طوال الأيام التي سبقت وصول ساري، ولولا تهوين الخاتون من الأمر وتعليقات زمزم الساخرة ووجود سراب اللطيف الى جواري لتنصَّلتُ من الورطة كلِّها واعتذرت عن استقباله· لكنَّه ابن نجوى، وحيها بين ثلاث بنيَّات، كما قالت لي، وهو فوق هذا مريض يحتاج الى عملية عاجلة، فكيف أتهرَّب وقد اعتمدت عليَّ؟
 
لم يفارقني القلق· إذ بعد كل هذا العمر الذي أكلتني فيه نهارات الوحشة وليالي الشوق الى نجوى ، وبعد أن كنت أتدرَّب على نسيانها وحكِّ صمغة اشتهائها من عروقي، ها هو ابنها الذي هو قطعة منها، يهبط عليَّ في أرض ابتعادي ويضعني، مجدداً، أمام الفشـل الأفدح في حياتي·
 
سأنظر إليه وسأراها، وسيحدثُّني وسأسمعها، وسيروي لي خطط مستقبله فأتذكَّر خيبة ماضيَّ، وسأنكمش كمداً وأنا اتخيَّل لو أن الأمور أخذت مسراها الطبيعي، لكان هذا الرجل الصغير ابني··· إبن نجوى وابني·
 
كيف هي نجوى اليوم؟ وهل مرَّ الزمن رؤوفاً بطبق القيمر، أم عبث به مثلما تعبث الفِيَلَة في غرف البلُّور؟
 
كعادتـها، تعاملت سراب مع خبـر مجيء الضيـف الطارئ بكثيـر من الهدوء والاستعداد للمساعدة· ولا شكَّ أنها أدركت فحوى تلك الصداقة القديمة التي تربطني بوالدة الشاب المريض القادم من بغداد· لكنها لم تسرف في الأسئلة، تماماً مثلما كانت ترجوني ألا أسرف في السؤال عن ماضيها·
 
ـ لا تجاملني بغيرة المراهقين، أرجوك، فأنا على حافة الأربعين وقد شاب شعري وما سواده إلاَّ من فضل لوريال لكن حبِّي لك لا شائبة فيه، وهو عميق بحيث يدفعني الى أن أضع علاقاتي السابقة موضع الشكِّ·
 
ـ لم اسمع امرأة عربية تتحدث عن علاقات سابقة لها··· هكذا بالجملة !
 
ـ لا تجزع يا حبيبي، فالواحدة منَّا، نحن العربيات، تولد وتموت دون أن تعرف أكثر من رجل أو اثنين، إذا حالفها الحظ· و ما أكثر اللواتي تساقطت أسنانهنَّ دون أن تمنَّ عليهنَّ الحياة بشمِّ عَرَق الرجل!
 
أردت أن اُحدثَّها عن نجوى في أكثر من مناسبة· لكن الحكاية بدت لي أشبه بحكايات أهل الكهف وأنا أتحرّك مع سراب في فضاءات باريس ونستمتع معاُ بما تبذله لنا من فرص متجددة· وهي بدورها لم تكن تحب القصص البائدة، بل لمستُ لديها نفوراً غريباً من الماضي ومن الذكريات، كأنَّها تقلقـها وتورثها ضيقاُ في الصدر، فتقلب الصفحة بسرعة وتذهب الى صحبة الفاكهة، وهي تمدُّ لي من غوايات كلامها أراجيح تذهب بعقلي إذ تقول:
 
ـ ستضحك عليَّ إذا قلت لك إن الفواكـه أصحابـي، والشـجر أصحابـي، وطيور السماء والغيم والمطر وخيوط الشمس وأقواس القزح··· أصحابي الذِّين يحنُّون عليَّ ويحبونني مثلك ومثل زمزم والخاتون· ما رأيك لو نترك حزبنا الكئيب المترنِّح ونذهب الى حزب الخضر؟

الصفحات