أنت هنا

قراءة كتاب الملوك الهاشميون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الملوك الهاشميون

الملوك الهاشميون

في هذا الكتاب يستعرض المؤلف جيمس موريس، تاريخ العلاقة بين الهاشميين والبريطانيين منذ بدء الثورة العربية، ونشوب القتال في صحارى الحجاز، إلى عهد الملوك العِظام في العراق والأردن، حتى يصل إلى مذابح بغداد عام 1958.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
وامتلأت حلبة الصراع من أجل السلطة والعظمة بالمتصارعين الأقوياء، وبينهم بعض شيوخ البادية. والزعماء المعروفون بالدهاء والغلظة، والمتعصبون من الأمراء الحسودين، والسلاطين الحقودون وإمام اليمن والإدريسي، وابن الرشيد والوهابيون، الذين حاربوا القبور وأضرحة الأولياء، بغارات متعطشة للدماء حاملين معهم شعاراتهم: «إما النصر وإما الشهادة». ومدت الإمبراطورية العثمانية أيادي فتوحها حتى وصلت الجزيرة، مقيمة حامياتها، وأسس البريطانيون موضع قدم لهم في عدن والخليج (الفارسي) بينما كان الروس والألمان يحلمون بالتدفق من الشمال. ولكن في غمرة جميع هذه الأحداث، وعلى الرغم من النكسات المتوالية، والمنافسات والحماقات، فقد حافظ الهاشميون على سيادتهم على الحجاز وعلى مركزهم في العالم الإسلامي.
 
وكانت أرضهم، لو استثنينا ما لها من مكانة روحية، ذات قيمة معتدلة من النواحي الأخرى. فقد ضعفت تجارتها القائمة على تخزين البضائع، بظهور الطرق الملاحية الجديدة في البحر الأحمر. وليس للبلاد أية موارد طبيعية، وإنما كانت تعيش عيشة الكفاف على ما يأتيها من الحجيج ومن تربية الإبل.
 
وفي مطلع القرن العشرين، عندما بدأت قصة كتابنا هذا، كان الحجاز ولاية من ولايات الإمبراطورية العثمانية، لها حاكمها التركي الذي يقيم في مكة، وتحت تصرفه حامية مؤلفة من سبعة آلاف جندي، وتضم عدداً من المنافي التي يبعد إليها خصوم الحكم القائم في القسطنطينية. لكن قداسة هذه البلاد، وقوة أسرتها الحاكمة، ظلا عاملين أساسيين في منحها بعض الامتيازات. فقد واصل الأشراف تسيير إدارتهم جنباً إلى جنب، مع الحكم التركي. على الرغم من أنهم لم يكونوا على وفاق دائم معهم.
 
وكان الأتراك يعفون أهل المدن المقدسة من الضرائب ومن الجندية الإلزامية، بل كانوا أيضاً يدفعون لهم إعانة سنوية لضمان هدوئهم. وقد أدى بُعد الحجاز عن قلب الإمبراطورية التركية، إلى عدم تأثره مطلقاً بالحضارة الأوروبية. وظلت الجزيرة العربية سراً مغلقاً على الأجانب، كما ظلت قداسة مكة والمدينة محرمة على الأجانب. وتقول بعض الروايات مع ذلك إن شخصاً اسكتلنديا حكم المدينة في مطلع القرن التاسع عشر. فقد كان المذكور حدثاً يعمل مع الفرقة العسكرية الثانية والسبعين البريطانية عندما سقط أسيراً في يد الأتراك، ثم بيع في سوق الرقيق واعتنق الإسلام. ومنذ ذلك التاريخ لم يتمكن إلا بعض المغامرين المسيحيين من الوصول إلى الأماكن المقدسة متنكرين في زي مسلمين ومنهم بيرتون من الجيش الهندي، وبيركهاردت. وقد جاءت الصور التي رسموها للحجاز ملأى بالتفاصيل الغريبة، كالقفاطين المتعلقة بالطقوس الدينية، والاحتفالات الغريبة، والتجار الطامعين، والأشراف يحكمون كل ذلك.
 
وتصبح مكة في فصل الحج، من أغرب الأماكن في العالم، خليط من التقاليد والأجناس والأخلاق، بعضها يبدو فيه تهجد الصوفية، وبعضها يظهر فيه الحرص، وأخلاق البادية، وتصبح كتلة من الأجساد البشرية المتراصة، ترفع أصواتها بالأدعية الروحية الدينية. وكانت جماعات الحجاج في هذه الأيام تقطع الطريق مشياً على الأقدام من إفريقيا الشمالية إلى الحجاز، وقد ارتدى أفرادها ملابس الإحرام الطاهرة. وكان بعض التائبين، يزحفون خطوة فخطوة في طريقهم إلى الأرض المقدسة. وكانت بواخر أخرى تنقل الحجاج، عبر البحر الأحمر، وقد اكتظت بهم ظهورها، وانتشرت روائحهم تملأ عباب البحر، ألوف وألوف من المؤمنين جاءوا من أنحاء جاوه والملايو والصين. أما المحمل العظيم، فكان يسير في الطريق البري كل عام قادماً من دمشق، تحرسه القلاع المنتشرة على الطريق من الغارات، وعلى رأسه أمير الحج، وفي معيّته الحجيج، تحمل الأثرياء منهم المحفات، بينما يسير الفقراء من هؤلاء الحجيج على الأقدام.
 
وظل الحجاز بالنسبة للمسيحيين أسطورة مغلفة بكل ما هو محرم عليهم، فحتى ذلك الوقت لم تكن سيارة واحدة قد أنزلت إلى أرصفة جدة، وكان خط هاتفي واحد يربط مدينة مكة بالساحل. وإذا ما حدث وطلبت الرقم الأول في مكة، رد عليك الشريف الأكبر بنفسه، وفي أسواق الحجاز، كان لا يزال باستطاعتك شراء عبد شركسي أو جارية سوداء. أما القانون فشريعة الإسلام مرتكزة على مبدأ العين بالعين. وإذا كنت لصاً قُطعت يدك، وإن كنت قاتلاً قُطعت رقبتك. وظل الحجاز، بعيداً عن أوروبا، تحكمه شرائع القرآن الكريم، والقواعد التقليدية لمبادئ الثأر والعقوبة.
 
وظل الحجاز من ناحية أخرى الغدير الروحي، بالنسبة لذكرياته السامية، فهو يضم بالنسبة إلى الإسلام، قدسها وبيت لحمها وناصرتها، ولكنه لا يضم في أية حال من الأحوال رومتها، فلم يظهر في الحجاز إلا العدد القليل من مفكري الإسلام وكبار فلاسفته، وليس فيه جامعات ولا مستشفيات، باستثناء بعض الكتاتيب الصغيرة. وكان مركز الخلافة الإسلامية قد انتقل إلى القسطنطينية. حيث تسلم السلاطين الخلافة، بينما ظلت القاهرة العاصمة الثقافية للعالم الإسلامي. وكان المسلمون التقدميون في مصر وسوريا يرون الحجاز مع قدسيته متأخراً عن ركب الحضارة. أما بالنسبة إلى الأتراك، فكانوا يرون فيه جزء قاحلاً وكثير المشاكل في إمبراطوريتهم. أما بالنسبة إلى الملكة فيكتوريا، ملكة إنكلترا، فقد كان الحجاز مكاناً يذهب إليه - كما كتبت مرة إلى سلطان تركيا - الألوف من رعاياها فيحتملون «أشد الآلام والمشاق» أثناء أدائهم فريضة الحج. ولقد عاد الكثير من الحجاج، بعد أن أدوا هذه الفريضة التي فخروا بأدائها، متأثرين بما عليه البلاد المقدسة من تأخر وجهل. فلم ينطلق فيه صوت يدعو إلى تحرر المرأة من ظلمات الحريم، ولم تقتحم فكرة متحررة رأس أي من سكانه. وعلى الرغم من أن سمعة الهاشميين كانت عظيمة إلا أن مملكتهم، إذا ما أخذت وفقاً للمقاييس العادية، كانت مهملة بائسة.

الصفحات