أنت هنا

قراءة كتاب الملوك الهاشميون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الملوك الهاشميون

الملوك الهاشميون

في هذا الكتاب يستعرض المؤلف جيمس موريس، تاريخ العلاقة بين الهاشميين والبريطانيين منذ بدء الثورة العربية، ونشوب القتال في صحارى الحجاز، إلى عهد الملوك العِظام في العراق والأردن، حتى يصل إلى مذابح بغداد عام 1958.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
لقد كان هذا في عام 1914. وكانت بريطانيا لا تزال في حالة سلم مع تركيا، وعلاقاتها مع الباب العالي طيبة إن لم تكن وثيقة. وبالطبع، فإن ستورس، جامعاً بين الاستحالة ومنتهى الرقة، رفض الطلب.
 
لكن البذرة قد وُضعت في مكانها. وكلما دنا خطر الحرب، كلما تذكر كتشنر وستورس هذه الزيارات من الجزيرة العربية، مثلما كان الشريف الأكبر يرى أن هذه فرصته في غمرة الصراع، ليخرج من الوصاية التركية نهائياً. فالمبعد الخاضع في القسطنطينية، كان قد نضج الآن، وانقلب إلى زعيم مستقل، عنيف. لقد ثارت الدماء في عروقه. ولقد شجعه وشد من أزره ولده عبد الله، السياسي المحنك الكثير النشاط، فقرر الشريف أن ينفصل بالحجاز عن السيادة التركية، كما بدأ يهم بإنشاء إمبراطورية هاشمية مستقلة تضم جميع أجزاء الشرق الأوسط العربية. واعتقد أن الحرب إذا نشبت، فإن بعض هذه الأهداف ستتحقق، إما بالوقوف إلى جانب تركيا، والحصول على ثمن الولاء، أو باهتبال الفرصة وإعلانها ثورة عنيفة جارفة، وبالطبع وضع مصالحه في المقدمة، ولم يتمكن الأتراك أو البريطانيون، من التأكد، من الاتجاه الذي ستسير فيه خيالاته وقراراته. وكان عبد الله بالطبع قد ألمح بعض الشيء عن هذا الاتجاه، ولكن من يدري؟
 
ونشبت الحرب في أوروبا في شهر آب، واتضح أنها ستنتشر بسرعة إلى الشرق الأوسط، حيث ظهر أن الألمان، كانوا قد أحرزوا بعض السيطرة على الأتراك. وبعد شهر أو شهرين، وبحافز من ستورس، وموافقة من كتشنر، استأنف البريطانيون اتصالهم بالهاشميين. ففي ذات صباح من الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول عام 1914، وصل إلى مكة، على متن حمار، مصري متوسط في السن، قضى الليل بطوله مسافراً من جدة إلى مكة، ومرتدياً ملابس الإحرام. وقد سارع فور وصوله إلى أداء مناسك العمرة، فأدى الصلاة في الكعبة، وطاف حولها، ولثم الحجر الأسود، وشرب من ماء زمزم، وارتقى جبل عرفات ورجم الحصى. وكان المصري المذكور، أنيق الصورة، بشوش الوجه، ومع أنه شكا من كل ما رآه، ومن قسوة الحياة في البلاد المقدسة، إلا أنه مع ذلك سلك سلوكاً رائعاً، وأقام صداقات مع وجوه المدينة. وبالطبع سأل عن الشريف الأكبر، ليقدم إليه واجب الاحترام، فقيل له إن الأسرة جميعاً في الطائف، في الجبال. واستأجر المصري بعيراً سريعاً، مع صاحبه، وأجزل له العطاء، ثم أعطاه رسالة ليقدمها بنفسه وشخصياً إلى الأمير عبد الله في أسرع وقت ممكن.
 
وهكذا عرضت الحكومة البريطانية سراً تحالفها على الهاشميين، فقد كان المصري المذكور عميلاً لبريطانيا أوفده ستورس في مهمة سرية. وكانت الرسالة التي حملها تسأل الأمير عبد الله، عن موقف الشريف الأكبر في حالة دخول تركيا الحرب ضد بريطانيا، وهل يكون «معنا أو علينا». وتلقى الحسين وأولاده الرسالة في بادئ الأمر بمنتهى الشك والريبة، فقد خشوا أن تكون دسيسة تركية. ولكنهم سرعان ما اطمأنوا وبعثوا برد إلى العميل البريطاني، يؤكدون فيه أنهم «عرفوا من أين جاء» ثم أسرعوا بالسفر إلى جدة. وكان في مستقبلي الشريف الأكبر في جدة، العميل المصري، الذي قبّل طرف جبته، وسرعان ما استدعي إلى القصر. وكانت الرسالة البريطانية قد كُتبت باللغة العربية، وبعبارات تنضح بالتقى والإيمان، وعندما قرأها عبد الله، بدقة وإمعان، أشار إلى أن ستورس يجب أن يكون مسلماً، لإلمامه الواسع بالآيات القرآنية. وأقر المصري وجهة نظر الأمير، وبعد قليل، سمح له بمقابلة الشريف الأكبر نفسه، مقابلة خاصة. وتحدث الحسين بعظمة وجلال، عن أشياء دينية ودنيوية، وأعرب عن حبه لستورس في إشارات وتلميحات لا تخلو من الفخامة وعزة النفس، وأظهر بأنه نقي القلب صافي الضمير، وطلب إلى العميل، أن ينقل تحياته إلى المستشار الشرقي بشكل «يليق به وببلاده» وقد رد العميل: «السمع والطاعة يا مولاي».
 
ومع أن هذه المقابلة كانت سعيدة وجادة، إلا أن الشريف الأكبر لم يكن بعد على استعداد للانغماس في تحالف مع بريطانيا يمكن أن يوصف على أقل تقدير، بالكفر، وعلى أكثر تقدير بالخيانة. فمن ناحية واحدة، ولعلها التي كانت تسيطر على تفكيره، لم يكن الحسين واثقاً من نجاح التحالف. فالبريطانيون لم يقدموا إليه أية ضمانات، وقد تكون لهم أطماعهم في الشرق الأوسط. ولم يكن الشريف ليعرف، ما ستلقاه ثورته من تأييد شعبي في البلاد العربية الأخرى. وكان للأتراك قوات برية ضخمة، وقد قويت شوكتهم بفضل تدريب الألمان وإنشاء سكة حديد الحجاز. وماذا سيكون المصير في حالة الفشل؟ مصير مفزع حتماً.
 
وقضى الشريف وقتاً طويلاً في التفكير وفي التهامس مع أنجاله. وكان فيصل، النجل الثالث، يحثه على الحذر والصبر، بينما كان عبد الله، يدعوه إلى القتال والمجد. وقد اختط الحسين لنفسه خطة بين الرأيين، فمضى في طريقه بإصرار ولكن بحذر وحيطة. وتعاقبت الاتصالات الخفية، وتبادل وجهات النظر، وفي كل مرة يشتد حماس البريطانيين، بالنظر إلى زيادة خطورة الوضع في الشرق الأوسط. وتلقى الشريف رسالة مشجعة من السير ريجنالد وينجيت، حاكم السودان العام، المسؤول في الوقت نفسه عن شواطئ البحر الأحمر من الجانبين. وأبرق كتشنر، الذي كان يومذاك في إنكلترا إلى عبد الله بتحياته، مضيفاً قوله: إذا قام الشعب العربي بمساعدة إنكلترا في هذه الحرب، فإن إنكلترا تتعهد، بأن أي تدخل لن يجري في البلاد العربية، وستعطي العرب كل عون ضد أي عدوان أجنبي خارجي.
 
ودخلت تركيا الحرب في تشرين الثاني عام 1914، وتلقى الشريف الأكبر بعد شهرين رسالة من إحدى الجمعيات العربية السرية في دمشق. حيث وصل مبعوث الجمعية إلى مكة يحيط به سياج من الكتمان والحرص، وقد رفض أن يسلِّم أي رسالة إلا إلى الحسين نفسه، في مقابلة خاصة، وكانت الرسالة مجرد همسة ليس إلا. قال الرسول للشريف، إن القوميين العرب في سوريا والعراق، يؤيدون ثورة عربية، ويودون أن يعرفوا ما إذا كان الحسين على استعداد لتزعمها. ولم يُجب الأمير العجوز على هذه الرسالة السرية، كما لم يوجه أية أسئلة، وإنما اكتفى بالتطلع من النافذة. ولكنه أرسل الأمير فيصل إلى دمشق لمقابلة زعماء الحركة الوطنية، وليبلغهم مقترحات بريطانيا. وسافر فيصل إلى دمشق، وحلّ ضيفاً على جمال باشا، القائد العام التركي، ومضطهد الحركات الوطنية العربية، وكان عليه أن يقوم بمهمته السرية وأن يجتمع بزعماء الحركة شارحاً الوضع لهم، ودارساً وجهات نظرهم، تحت سمع الوالي التركي وبصره، على أن لا يحس به. وتواردت تقارير الأمير السرية إلى والده وكلها كانت تنقل بصورة خيالية غريبة تحمل طابع المغامرات، فمنها ما أخفي في نعال الأحذية أو مقابض السيوف، أو عباءات الخدم. وحمل فيصل معه عند عودته إلى مكة، مذكرة وضعها الزعماء الوطنيون، وقد كُتبت بخط دقيق، ثم خيطت إلى نعل أحد الخدم، تتضمن الظروف والشروط التي وضعوها لقبول الاشتراك في ثورة تؤيدها بريطانيا كما تتضمن بيعتهم للشريف الأكبر، ليكون الناطق باسم العرب، في أية مفاوضات يقوم بها مع بريطانيا بالنيابة عنهم، للحصول على الشروط التي طلبوها.

الصفحات