أنت هنا

قراءة كتاب الملوك الهاشميون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الملوك الهاشميون

الملوك الهاشميون

في هذا الكتاب يستعرض المؤلف جيمس موريس، تاريخ العلاقة بين الهاشميين والبريطانيين منذ بدء الثورة العربية، ونشوب القتال في صحارى الحجاز، إلى عهد الملوك العِظام في العراق والأردن، حتى يصل إلى مذابح بغداد عام 1958.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
أما البارزون المشكوك في ولائهم وإخلاصهم، والذين لا تسمح مكانتهم واحترامهم بقتلهم وإبادتهم، فقد كانوا يستدعون إلى القسطنطينية حيث يوضعون موضع الإجلال والاحترام، ولكن ضمن نطاق معين من الحصر والإشراف. أما أسر الحسين فكان أكثر حرية وانطلاقاً، إذ إن الخليفة لم يكن يرغب في أن يتهمه أحد بإساءة معاملة حفيد الرسول (ﷺ). وقد وهبه الخليفة قصراً على شواطئ البوسفور، أقام فيه هو وزوجته وأولاده الأربعة. وأصبح الحسين من الشخصيات اللامعة في العاصمة، له حلقة واسعة من المعجبين، لاسيما وأنه كان يعرف القسطنطينية جيداً ويتقن اللغة التركية مثل إتقانه للعربية. وعيّنه السلطان عضواً في مجلس الدولة. وتلقى أبناؤه تعليماً بارزاً. ولم يكن الحسين متكبراً أو ميّالاً إلى الفخفخة والزخارف، لكنه نالَ من احترام أهل القسطنطينية مداه، نظراً لما كان يتمتع به من شخصية، وحسن نشأة. وفي الحق فقد كانت له صورته الرائعة، على الرغم من ضآلة جسمه، يرتدي دائماً ما خولته إياه منزلته بين شعبه، عمة غير منسقة، أقيمت على طربوش ملون، وعلى جسمه معطف طويل موشى.
 
واختلف الذين عرفوا الحسين في تقديرهم لشخصيته، فقال بعضهم إنه كان عنيداً وغامضاً وذرب اللسان، ووصفه فريق ثان بأنه كان صاحب إرادة، طموحاً، ومشاكساً. لكن جميع الذين رأوه وحادثوه، اتفقوا على أنه كان صاحب شخصية جذابة لا تقاوم. وقد وصفه السير رونالد ستورس (أول حاكم للقدس بعد الانتداب البريطاني) ذات مرة بأنه «بدون شك الرجل الوحيد الذي باستطاعته أن يهز مجتمع لندن من أقصاه إلى أدناه».
 
كان طويل الوجه، حسن الصورة، ذا حاجبين كثين، وشفة سفلى متدلية ولحية بيضاء كثيفة. وكان بالنسبة لأبنائه، مربياً من الطراز العربي، أنشأهم على النظام والطاعة، وأبعدهم في القسطنطينية، عن التيارات السياسية المخادعة في تركيا. وأصبح هو في القسطنطينية سيداً للغة الدبلوماسية، ولكنه ظل بالنسبة للأتراك لغزاً لا يُحل. وقد قال له السلطان مرة عندما جاء إلى القسطنطينية منفياً: «لقد بعثت في طلبك لأسباب اقتضتها مصلحة الدولة». كان السلطان هادئاً في قوله، إذ أن سياسة الإمبراطورية كانت تتطلب أن لا يكون مثل هذا الفرد الكفء، طليقاً في الحجاز.
 
وقامت الثورة في تركيا عام 1908، وانتقلت السلطة في الإمبراطورية إلى أيدي جمعية الاتحاد والترقي المتفرعة عن جمعية «تركيا الفتاة» وحددت صلاحيات الخليفة - السلطان إلى أقصى الحدود (على الرغم من أن الطاغية العجوز تمكن في بداية الأمر من وضع إشارة الثوار في عروة سترته مجتازاً الدوامة بمهارة ونجاح). وفي الوقت نفسه تقريباً خلا مركز الشريف الأكبر في مكة من صاحبه، فقد توفي الشريف، وأصيب خلفه المنتخب بنوبة من الفالج، عندما كان يشيّع جثمان سلفه إلى مقره الأخير. ورأى الحسين الفرصة، تلوح له، فتقدم فوراً يطلب الفرمان لنفسه وكتب يقول: «بالنظر إلى وفاة عمي الشريف عبد الإله بن محمد أمير مكة التي تلت خلع، ابن عمي، الشريف علي عبد الله بن محمد، فقد خلا كرسي الإمارة، ولما كنت أكبر أفراد الأسرة الهاشمية سناً، ولي حق الأولوية في منصب آبائي وأجدادي، أرجو أن أطلب من جلالة السلطان التكرم بمنحي حقوقي التي يعرفها جلالته بالإضافة إلى ما يعرفه عني من ولاء وصداقة».
 
وقد أثارت هذه الرسالة، ردود فعل مختلطة في الباب العالي، ويقال إن السلطان، كان لا يزال يشك في الحسين، بينما كان الاتحاديون يؤيدونه. معارضة منهم للسلطان ليس إلا، ويقال إن السفير البريطاني لدى الباب العالي قد قدم بكلمة طيبة يمدح فيها الحسين. وربما كان السلطان عبد الحميد، الذي يواجه الآن تعليق قوى الاعتدال داخل بلاده قد شعر فجأة بنوع من الصلة بالحسين، وربما رأى فيه مصدر قلق محتمل في المستقبل بالنسبة للاتحاديين، ولم تعد تهمه أمور الماضي كثيراً. ومهما كان السبب، فإن الخليفة بعد يوم أو يومين من التفكير أو المناقشة استدعى الحسين إلى قصره، وباركه، وقدّم له اعتذاره على خمس عشرة سنة من الحرية الضائعة، مانحاً إياه وسام الافتخار ومعيناً إياه شريفاً أكبر لمكة.
 
وعاد الحسين وأفراد عائلته إلى الحجاز في مطلع كانون الأول من عام 1908. وقد انزعج الحسين في رحلته هذه من وجود مجنون على ظهر الباخرة تسلق ذات يوم صاريها معتقداً أنه الطريق المؤدي إلى الفردوس، لكن استقباله في جدة، عند وصوله، كان فخماً ورائعاً. عندما ألقت الباخرة بمراسيها في الميناء، تقدمت زوارق شراعية عديدة تحمل جماهير غفيرة من علية القوم والشيوخ والعلماء والأئمة، ونخبة الأشراف لاستقبال الشريف الأكبر. وتلقى الحسين التهنئة بالعودة من جماهير أهل الحجاز، بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخهم. وبعد أن قضى ثلاثة أيام في جدة سافر إلى مكة، في قافلة، على طريق الحجيج، تتوقف بين الفينة والفينة، لتتلقى التحية من المستقبلين. وسار الموكب، يتقدمه الكشافة على جـِمالهم، فمجموعة من الفرسان، فثلة من الحرس السوداني ببنادقهم فجماهير الأشراف على إبلهم وخيولهم، فالجنود يحدون وينشدون. وعلى طرفي الطريق يسير الخيّالة وقد حملوا مجامر البخور لتعطر الجو برائحتها، وفي وسطهم الشريف الأكبر يمتطي بغلة شهباء، حيناً، أو جواداً أدهم حيناً آخر. وهكذا عاد الحسين منتصراً إلى مكة، أول عاصمة للهاشميين.

الصفحات