أنت هنا

قراءة كتاب مؤتمر النجف رؤية نقدية قرآنية معاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مؤتمر النجف رؤية نقدية قرآنية معاصرة

مؤتمر النجف رؤية نقدية قرآنية معاصرة

يعد مؤتمر النجف الذي حدث في نهاية الصراع الطائفي الطويل الذي أثير بين الصفويين والعثمانيين قبل أكثر من قرنين ونصف، من المحطات والمشاهد الحاسمة والمؤتمرات المهمة التي دعت إلى الوحدة والتقارب المذهبي بين السنة والشيعة، وقد وجدت فيه الكثير من المقررات والمفردا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 2
وهل هناك وهن أكثر من الوهن والعجز الذي يعيشه المسلمون اليوم، وهل هناك ذلّة أكبر من تلك الذلّة التي نتجرّعها اليوم، بحيث أصبحنا نُغزى في عقر دارنا ونهان بين أهلينا ولا نحرك ساكنا، وتنتهك الأعراض ويقتل الأطفال والنساء والشيوخ في مدننا وقرانا ونحن غائبون وغافلون وباهتون، لا نكاد نصل إلى حالة الوعي في حده الأدنى أو حتى حالة الحمر المستنفرة التي تفر من قسورة الصياد الفاتك والجلاد الذي يريد ذبحنا تباعاً أفراداً وجماعات على مسلخه الخبيث، بل قد نفاجأ أحياناً وفي صور أخرى لإدارة الصراع الدموي الداخلي بين بعض المتخلفين والمتشددين منا، ممن لا يؤمن بشرف الخصومة وقواعدها الإنسانية والحضارية، فنسمع ونرى - في أحيان أخرى - من يقتل على الهوية والاسم واللون والعرق سواء بسبب الانتماء الديني أم العرقي أم المذهبي وبإغراء وتشجيع من الخصوم وتحريض من أعداء الأمة التقليديين الذين يريدون لها السوء ويتربصون لها الدوائر. كل ذلك يجري ويحدث ونعيش أحداثة ومسلسل حلقاته المريرة، دون أن نعتبر ونعي حجم المأساة أو نعود إلى الحق وتحكيم شرع الله والاعتصام بدينه وتعاليمه المنيرة، وفي مقدمتها مفهوم الوحدة والتوحيد والسلام والتعايش والأخوة التي جاء بها إسلامنا الحنيف.
 
ولعلي حين نظرت إلى واقعنا المعاصر وعشت ردحاً من الزمان أرى الأمة تجتر فتن الماضي ومآسيه دون أن تأخذ العبرة من التاريخ كما يقول الحكماء، وحين استقرأت التاريخ الإسلامي واطلعت على مفاصله المهمة، وجدت فيه العديد من المشاهد المضيئة والمحطات المنيرة والتوجهات الخيرة، التي تدعو إلى الوحدة والأخوة والتعايش الايجابي وإفشاء السلام، ليس بين المسلمين فحسب وإنما مع الأمم والأديان الأخرى، سواء في عصر النبوة الزاهر وما تلاه من العصور الإسلامية المنيرة التي كان القرآن الكريم فيها هو الموجّه والمحرّك لثقافة العالم وحضارته قبل أن تنكفئ وتنطفئ جذوته ويخبو نوره، بسبب معاصينا وابتعادنا عن الرسالة الإلهية ومسؤولية حملها إلى البشر كافة كما أمر الله سبحانه في كتابه العزيز.
 
ولعل آخر تلك المحطات والمشاهد الحاسمة والمؤتمرات التي دعت إلى الوحدة والتقارب المذهبي بين السنة والشيعة، هو مؤتمر النجف الذي حدث في نهاية الصراع الطائفي الطويل الذي أثير بين الصفويين والعثمانيين قبل أكثر من قرنين ونصف، وقد وجدت فيه - كباحث في الملف الطائفي - الكثير من المقررات والمفردات التي كانت تدعو إلى الوحدة والتعايش البنّاء وإقرار شرعية الآخر وحقه في الحياة وبناء حضارة القرآن دينيا وفكريا واجتماعيا وسياسيا، دون تقاطع مع الطرف الآخر ولا إلغاء أو إقصاء لدوره أو اجتثاث لوجوده، كما يدعونا السلوك الحضاري والأخلاقي قبل الوازع الديني، لتحديد العلاقة بين أي طرفين مختلفين على الأرض، أو بين الأطراف والفرقاء مهما كثر عددهم أو تنوعت ماهية اختلافاتهم، لان الإسلام في جوهره وتعاليمه الإلهية يقرّ الاختلاف والتنوع وتعدد الاجتهاد والصواب بل يقرّ التعايش الفكري والاجتماعي بين المختلفين، بل حتى بين فكرين متناقضين ومتعارضين، ويفضل الحوار والدعوة بينهما بالتي هي أحسن وترك حسابهم وتسوية خلافهم الأساسي والجوهري إلى الله في يوم الدين.

الصفحات