قراءة كتاب كتاب الحرية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
كتاب الحرية

كتاب الحرية

يتناول مفهوم الحرية وأشكالها, تحديداً في عالمنا العربي, تحت وطأة الاستبداد والسرقات الإنسانية لهذا المفهوم وهو الحرية, ان كان ذلك على المستوى السياسي والدولي او ان كان ذلك على مستوى الأفراد ووعيهم لهذا المفهوم الذي كان لفترات طويلة من تاريخنا العربي عبارة ع

تقييمك:
2
Average: 2 (2 votes)
الصفحة رقم: 9
3-
 
والحرية مقولة شاملة، بمعنى أنها حق إنساني عام يكتسبه الإنسان من صفة إنسانيته، وليست حقّا مخصّصاً. وكما أن إنسانا لا يمكن أن يكون أكثر إنسانية من إنسان آخر ( إلا بالمعنى المجازي المحض للإنسانية )، فلا يمكن أن يكون إنسان أحقّ بالحرية من آخر. الحرية لا تختصّ بعرق دون عرق، أو قوم دون قوم، أو طبقة دون طبقة، أو فئة دون فئة، أو دين دون دين، أو عقيدة دون عقيدة، لا فرق في ذلك بين عربي وأعجمي حتى بالتقوى. ولا فرق في ذلك بين مسلم وغير مسلم، أو بين مسيحي ويهودي، أو بوذي وهندوسي، أو متدين وغر متدين. ولا فرق في ذلك بين غربي وشرقي، أو شمالي وجنوبي. ولا فرق في ذلك بين غني وفقير، أو كبير وصغير، أو قادر وعاجز، أو ذكر وأنثى.
 
والحرية ليست قضية تخصّ الرجل دون المرأة، بل إنها لقضيتهما معاً بالتساوي. فلا معنى لحرية يمتلكها الرجل إن لم تكن المرأة تملك الدرجة ذاتها من الحرية. كذلك لا معنى لحرية تمتلكها المرأة إذا لم يكن الرجل يتمتع بقدر مكافيء من الحرية.
 
3-1
 
لئن كانت الأنظمة الشمولية الدكتاتورية تمارس تجزئة الحرية، فإن الأنظمة الحصرية؛ الإقصائية تمارس مالا يقل عن التجزئة تدميراً للحرية والإنسان. وهذه الأخيرة تزعم لنفسها الحق في تخصيص الحرية بفئة دون فئة، وتمارس عملية حصر وإقصاء عصبيّة (بالمعنى الذي يستخدمه إبن خلدون للعصبيّة) متحيزة؛ إذ تحصر الحرية في أتباعها والمنتمين إليها وتقصي جميع الفئات الأخرى وتحرمها من الحرية أو تنفيها من فضائها. وتتنوع هذه الأنظمة الحصرية الإقصائية في منطلقاتها ومقوّماتها ومستنداتها، بعضها يمارس الحصر والإقصاء بإسم القبيلة أو العشيرة أو العرق، أي على أساس وحدة الإنتماء الدموي، الفيزيائي؛ وبعضها يمارس الحصر والإقصاء بإسم الطائفة أو المذهب الديني أو الفكري، أي على أساس وحدة الإنتماء العقائدي. وبعضها يمارس الحصر باسم تفوق جنس على جنس، أي على أساس الانتماء الجنسي (ذكورة أو أنوثة)، لكنها جميعاً في الجوهر متطابقة في موقفها من حق الإنسان في الحرية، ولا يقل أي منهما خطراً على الإنسان والحرية عن أي آخر. إن إتباع دين ما؛ يدّعون لأنفسهم الحق في حصر الحرية في أبناء دينهم، وأصحاب إتجاه سياسي يدّعون الحق لأنفسهم في حصر الحرية في من ينتمون إلى مذهبهم السياسي. وهكذا تتعالى صيحة المسلم والمسيحي واليهودي والماركسي باللغة نفسها والشعارات الحصرية الإقصائية عينها. ويلتقي معهم في الصيحة القومي العربي والقومي البربري والقومي الكردي والقومي الألماني والقومي الإيطالي والقومي الصربي والقومي الروسي والقومي الأمريكي إلخ... وعلى مستوى آخر يلتقون جميعاً بالذكر، مجسداً تاريخياً لسلطة الرجل على المرأة ولسلبها مقوّمات حريتها. وفي نهاية المطاف لا يتميز واحد عن آخر إلا في أمر واحد هو: هل يملك القوة أو لا يملكها لفرض رؤيته الخاصة الحصرية الإقصائية على الآخرين. وندرك من ذلك ببساطة مرعبة أن القضية في النهاية - في مسألة الحرية كما في كل شيء غيرها في الوجود الإنساني- هي قضية إمتلاك القوة أو عدم امتلاكها، وأن السؤال الجوهري هو: من يملك القوة على فرض رؤيته للأشياء ومذهبه الخاص في صياغة العالم والمجتمع على هواه. ونبلغ النقطة ذاتها التي نبلغها في الفقرة (8) من منطلق مختلف، ويتشرنق السؤال حول أدوات القوة والهيمنة والتحكم وموقع الإبداع الفني والأدب من ذلك كلّه. وسأعود إلى هذه النقطة فيما بعد بتركيز أشد.

الصفحات