أنت هنا

قراءة كتاب الوجه الآخر للعدالة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الوجه الآخر للعدالة

الوجه الآخر للعدالة

رواية «الوجه الآخر للعدالة» الصادرة عن «دار الفارابي»، هي رواية الكاتب نزار دندش، أو قصته المبنية على مفارقة مؤلمة اعترضت بطل القصة في رحلته إلى أستراليا، التي أراد منها السلام والترويح عن النفس.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

اشتقت كثيرا الى صديقي داني الذي سافر مع زوجته الى استراليا قبل ثلاثة اسابيع فقط لزيارة ابنته هناك. لا أعرف لماذا، زاد اشتياقي الى هذا الحدّ مع أنني كنت معتاداً على تمضية فترات أطول دون أن أراه.
كان قد أخبرني بواسطة الواتس أب أنه مضطر لتأجيل عودته الى لبنان لعدة أيام، لكنه لم يوضح لي السبب فكان من المفترض بي أن أفرح باعتبار أن التأجيل هو دليل على نجاح رحلته وعلى حاجته الى بضعة أيام إضافية للاستمتاع بجمال مدينة سدني أكثر فأكثر. فسدني مدينة رائعة الجمال كنا قد هاجرنا اليها سوية قبل عقدين من الزمن هرباً من خطورة العيش في لبنان وصعوبته.
ولكم فرحنا يوم قبلت طلبات هجرتنا مع كل أفراد الأسرتين الى استراليا، الدولة التي يحلم بها كل طالب هجرة. وأذكر أنني نظمت فيها الشعر يومها وكتبت عنها أكثر من رواية، فهي غنية بثرواتها الطبيعية وغنية أيضاًً بتنوعها الثقافي الذي يضم نماذج من مختلف ثقافات العالم.
إلتقيته بعد ساعات قليلة من وصوله الى مطار بيروت بناء على رغبته وإلحاحه على اللقاء وأنا أعلم أن الآتي من استراليا يحتاج الى وقت لكي يرتاح من مشقة الطريق والى وقت إضافي للنوم لكي يعوّض جسمه ما فاتَهُ بسبب اختلاف التوقيت وتبادل الأدوار بين ساعات الليل وساعات النهار.
جلسنا في مقهى متواضع في منطقة تفصل بيروت عن ضاحيتها الجنوبية وتفصلها أيضاً عن بعض ضاحيتها الشرقية، في مكان غير بعيد عما كان يسمى بحرج بيروت وصار يسمى حرج الصنوبر.
- الحمدلله على رجوعك بالسلامة يا داني وهنيئاً لك استمتاعك بلقاء ابنتك ولقاء الوطن الثاني استراليا الحبيبة. لا شك أنك استمتعت برحلتك، وزادت متعتك بمرافقة زوجتك التي تحب السفر.
- شكراً حبيبي. رحلة استراليا مشروع كبير فهي أطول من «سفر برلك» بكثير، لعلها البلد الأبعد مسافة عنّا، فرغم اختصار مدة السفر بافتتاح خط مباشر من دبي الى سدني الا أن الجلوس لمدة أربع عشرة ساعة متواصلة في رحلة واحدة عملية متعبة للغاية للذين غادروا عمر الشباب، فقد أصبحنا من المسنين يا عصام، شئنا ذلك أم أبينا، والمكابرة هنا لا تنفع، فلا شيء يعيد الزمن الى الوراء ولا شيء يعيد الى خلايا أجسامنا شبابها.
- في استراليا ينسيك جمال الطبيعة مشقة السفر وتنسيك الحميمية اثناء لقائك بالوطن الذي نعيش بعيدين عنه بعض التعب، وتفرحك حرارة اللقاء بالاصدقاء الكثر.
- لقد تحولت وزوجتي الى سائحين حقيقيين هذه المرة فمارسنا نشاطات سياحية متواصلة، وكادت رحلتنا أن تكون هي الأنجح لولا أن أمراً من فعل الشيطان قد حدث فخرّب جزءاً من فرحتنا.
- قل لي ماذا حدث يا داني! لقد قرأت الحزن في عينيك، ولم أعتد عليك بشكلك المتعب من قبل. لم ألمح الهمَّ مستوطناً في ناظريك قبل اليوم يا داني!
- سأخبرك بكل شيء يا عصام، لكن دعني أسرد لك تفاصيل الرحلة بالتسلسل المفصّل، فهناك محطات مفرحة يجب أن أنقلها اليك ولا أريد للأخبار السيئة أن تطغي عليها وتخفي بريقها.
قبل أسابيع من موعد سفرنا أحسست ولأول مرة في حياتي أنني مسافر الى استراليا رغماً عني، وكأنني كنت خائفا من شيء مجهول توقعت أن يكون سبب ذلك خوفي من المكيف داخل الطائرة لأنني حساس تجاه المكيفات فتوقعت أن يسبب لي السفر الطويل مشكلة في التنفس. وزوجتي من جهتها كانت تشعر بأنها تسير خطوة الى الأمام وخطوتين الى الوراء. لكن الرحلة كان لا بد منها مهما كلف الأمر.
- أنا أصغي اليك يا داني فصّل في حديثك قدر الاستطاعة، أرجو أن ينقلني حديثك الى مدينة سدني التي أحب.
- الرحلة بين بيروت ودبي كانت عادية وسريعة، أما الرحلة بين دبي وسدني فهي الأطول في عالمنا كما أظن، فمع أن الطائرة مريحة والخدمة فيها جيدة الا أن الجلوس في مقعد ضيق مدة أربع عشرة ساعة أمر مملّ ومضرُّ بالصحة، لم ينسنا إزعاجَه الا لقاؤنا بإبنتنا التي انتظرتنا في المطار، فضمة واحدة الى الصدر كفيلة بجمع كل ما اعتصر التاريخ من حنين.
نقلتنا لولو بسيارتها الصغيرة من المطار الى الشقة التي تسكن فيها مع صديقتها الأفريقية برتا، فقد شاءت الظروف أن تكون جارتها مسافرة الى بلدها زيمبابوي فاستأذنتها لولو باستضافتنا في الشقة الى حين عودتها من السفر، فوافقت برتا بكل طيبة خاطر ووضعت غرفتها بتصرفنا أيضاًً. كانت علاقتها بلولو جيدة، فلولو تتميز بكرمها الشرقي وهي مضيافة وتهتم بأصدقائها.
وصلنا الى الشقة في عتمة المساء فتوزعنا على غرفة لولو والصالون المشترك. وكان من حسن حظنا أن في الشقة حمامين، واحد منهما داخل غرفة برتا التي لم نستعملها والآخر تستعمله لولو والضيوف. كان لقاؤنا بلولو حاراً، وجدانياً وحنينياً فيه نكهة الاعتزاز بطفلة كبرت في غفلة من الزمن فصارت خريجة جامعة تحمل شهادة وتستعد لاكمال دراساتها العليا.

الصفحات