أنت هنا

قراءة كتاب الوجه الآخر للعدالة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الوجه الآخر للعدالة

الوجه الآخر للعدالة

رواية «الوجه الآخر للعدالة» الصادرة عن «دار الفارابي»، هي رواية الكاتب نزار دندش، أو قصته المبنية على مفارقة مؤلمة اعترضت بطل القصة في رحلته إلى أستراليا، التي أراد منها السلام والترويح عن النفس.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

سألتنا لولو عن لبنان وعن أوضاعه المتردية، وعن ظروف العيش فيه في ضوء موجة العنف التي تضرب المنطقة. وسألناها عن درسها وحياتها ونشاطاتها، وعن مشاريعها المستقبلية.
ورغم أننا كنا نحن المسافرين المتعبين المحتاجين الى النوم، الا أن لولو قد نامت قبلنا لأنها مضطرة للنهوض باكراً والذهاب الى عملها. نامت المسكينة على كنبة الصالون وتركت لنا سريرها في غرفتها. أما غرفة الأفريقية فبقيت مقفلة لسبب لم أعرفه في اليوم الأول.
في الصباح الباكر نهضت لولو بهدوء وذهبت الى عملها أما نحن فربحنا ساعات إضافية للنوم، نهضنا بعدها وانطلقنا الى محطة القطار الذي أوصلنا الى مركز المدينة.
لقد مشينا في ذلك اليوم سيراً على الأقدام أكثر من أي يوم مضى، زرعنا المدينة بخطواتنا وعبرنا كل الشوارع والزوايا في وسط المدينة حيث قطعنا جورج ستريت مرتين، وقطعنا تشاينا تاون ثم تغدينا في الحديقة اليابانية بعد أن التقطنا ما شئنا من صور. لقد فرحت بجولتي كما لو أنني أزور سدني لأول مرة، أما زوجتي ندى فقد طارت من الفرح وكانت توزع بسماتها على كل الشوارع والأبنية والساحات.
وهكذا غدت لنا شوارع سدني مكاناً للراحة والاستجمام نقصدها كل صباح فبعد أن نتناول طعام الفطور في شقة لولو (وأدويتنا أيضاًً)، نطلب بواسطة الهاتف سيارة تاكسي توصلنا الى محطة القطار ومنها نستقل القطار الى محطة سنترال، ندور هناك في شتى الأرجاء، ندخل إلـى بعض المحَال التجارية أحياناً ونطوف مع كاميراتنا حول الأبنية الجميلة أحياناً أخرى. وكانت أقدامنا توصلنا في بعض الأحيان الى ساحة الأوبرا هاوس والى الحديقة المجاورة الغنية بأشجارها المعمّرة.
الكل يعرف أن البحر يزيّن مدينة سدني ويدخل في تفاصيل اليابسة فيرسم فيها لوحة فنية جميلة يحلو منظرها من الأعلى، لكنه يظهر جلياً أيضاًً من على الأرض،أما السرّ السحري الرهيب الذي لا يلتقطه الجميع، أو يلتقطه كل على هواه، فهو تلك التوليفة الرهيبة بين بحر نظيف وجميل ويابسة هي الأقدم على كوكبنا ومع ذلك ما زالت تحتفظ بتنوع بيولوجي بالغ الغنى، وبين حضارة غربية مستوردة في آخر طبعتها وأحدث مبتكراتها. فحين تجلس في «البوتانك غاردن» وهي الحديقة المجاورة لمبنى الاوبرا هاوس لتلتقط صورة، قد تدخل في اطار صورتك تلك المباني العصرية الشاهقة التي تناطح السحاب وذلك البرج العالي الذي يغازلها.
هذا وقد اغتنت استراليا المكتشفة حديثاً بثقافات العالم أجمع حيث يقصدها المهاجرون من كافة أنحاء العالم فيقيمون فيها آمنين مطمئنين ومحترمين، يحملون معهم ثقافاتهم فيلقون الدعم والتشجيع، فينسون قمع بلدانهم الأصلية وقهرها وحرمانها. عذراً عصام، لقد أطلت عليك في شرح تفاصيل تعرفها أنت عن ظهر قلب لكنها تفرض نفسها على الراوي لشدة التأثّر بها.
- بالعكس، استمتع بكل ما تقوله يا داني لكنني متحمس لسماع ما ستقوله في المقلب الآخر، فارتياحك غير مكتمل ولهجتك تخفي وراءها حسرة.
- حسب تخطيط لولو كانت اقامتنا موزعة على مكانين، ففي الفترة التي تكون فيها صديقتها خارج استراليا كان مرسوماً لنا أن نعيش في الشقة، على أن ننتقل الى الفندق بعد عودتها. فللزمان أيضاًً خريطته، وهو مؤلف من وحدات، تطول أو تقصر حسب مشيئتنا أحياناً، وقد تتمرد على هذه المشيئة في كثير من الأحيان. فالليل والنهار محكومان بخطوط تماس متحركة دوماً وخاضعة للتعديل في كل صباح ومساء. أما الانتقال من مقصورة زمنية الى مقصورة أخرى فغالباً ما يكون مصحوباً بمخاضات منها انبلاج الصباح ورحيل الشمس في المساء.
اما الفترة الفاصلة بين اقامتنا في شقة لولو ومرتا وفترة اقامتنا في الفندق فقد حفلت بمفاجآت غير سارة، بل إنها حفلتْ بمفاجأة لا بد أن تصدم كل من يسمع عنها أو يقرأ حاضراً ومستقبلاً.
اليوم الأخير لاقامتنا في الشقة كان يوم الجمعة الذي تصل فيه مرتا من السفر وكنّا مدعوين فيه لتمضية النهار في رحلة بحرية مع الصديق كمال وزوجته لا أدري لماذا صحونا باكراً في ذلك الصباح، زوجتي وأنا. ربما تأثرنا بحركة لولو قبل مغادرتها الى العمل أو ربما لأسباب أخرى، لكننا صحونا ولم يصمت أحد منا كما نفعل في العادة لكي يفسح المجال للأخر كي يواصل نومه. اكتشف كل منا أن الآخر قد صار في عالم الصحوة فبدأنا لتونا بالحديث.
قلت لها: مسكينة لولو تنام في الصالون على كنبة غير مريحة، فليت أنَّ صديقتها قد تركت باب غرفتها مفتوحاً لتنام لولو على سريرها.
هنا ضحكت ندى وأجابتني:
الغرفة مفتوحة ومرتا قد ألحّتْ على لولو أن تنام على السرير لكن الدخول الى الغرفة يعتبر مغامرة بحد ذاته، هناك فوضى مطلقة ورائحة لا تحتمل. أرجوك حبيبي إذهب الى غرفتها لكي تخرج منها مذهولاً.
فرفضت اقتراحها قائلاً:
أولاً ليست لدي رغبة بمشاهدة المناظر القبيحة وثانياً أخاف أن تكون قد وصلت الى غرفتها أثناء الليل فتفاجأ بدخولي الى غرفتها.
لكن ندى اصرّت عليّ مرددة:
بليز، بليز، اذهب الى غرفتها فهي لم تأت بعد، ولو كانت قد وصلت لأحدثت ضجيجاً أثناء نقل الأمتعة.
ذهبت نحو باب غرفتها، لكنني عدت أدراجي قبل الوصول اليه قائلاً لزوجتي:
أحس بخوف مجهول من دخول غرفتها، فلعلها داخل الغرفة.

الصفحات