أنت هنا

قراءة كتاب نور القمر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نور القمر

نور القمر

رواية "نور القمر" للروائية السودانية أميمة العبد الله، هذه الرواية التي غزت العالم العربي ولم تستطع كاتبتها الحصول إلا على ثلاثة نسخ منها؛ رواية تمرّد نصها الروائي على مستوى الشكل، واعلن تمرده على أشكال وطقوس السرد كما تمارس في حضرة السلطة والثقافة السائدتي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1
الزمن الأول
 
ولدت عندما كان الإنجليز يشنون حملاتهم الانتقامية الشرسة ردا على رجل هزمهم دون عتاد كالذي يملكونه، حملات مجنونة اكتسحت وطني كأنها موضة ابتلعت الأخيار، الأبطال والأموال، خلّفت فاجعة ومأساة . موت، جوع، ذعر وحرائق زاحمت الفضاء، انفطرت حياة الكثيرين، خسرت البيوت ربانها، ترملت النساء، تيتم الأطفال واغتصبت المدن علنا. خسرنا كثيرا في تلك الحملات وربح الوطن بداية طريق طويل لنضال ستقوده سلالة ذلك الرجل.
 
نزلت إلى الدنيا في حفرة عميقة، بطول رجل تقريبا، من امرأة فتية، قوية، ولدتني بسهولة ويسر لأن رحمها اعتاد على الانفتاح والانغلاق، أنجبت للدنيا احد عشر طفلا، لم يبق سواي، أولهم ولد في عام الوباء، مات بالتيفوئيد، هي قالت بالتيفوئيد لكن في ذلك العام لم يستطيعوا التفريق بين التيفوئيد والجدري، البقية ماتوا بالسل، حمى عنيفة مرعشة يصحبها ألم شديد في مفاصل الجسد وبروز الضلوع، جاءت هذه الحمى كما روت لي أمي بعد أعوام طويلة عندما لم يتبق من أبنائها غيري في إحدى ليالي الصيف الرائعة النسيم عندما استقر بنا المقام في جزيرة نائية وهادئة برفقة رجل قلما يوجد له شبيه.
 
قالت بعد الفضيحة الكبرى التي ارتكبها الإنجليز في مسقط رأسها:
 
- طبعا يا بنتي عليّ أن أحكي لك فضيحتهم التي لولاها لما أبيدت قبيلتي وكنت وحدي الناجية، لم يكن ذلك التاريخ بعيدا، خلّفتهم الهزيمة وحوشا تهيّجها رائحة الموت، يسعون بكل ما أوتوا من قوة للانتقام من أمير الشرق الذي ألحق الهزيمة بقواتهم، سمع أمير الشرق بنيتهم، أرسل السلاح لحماية النساء والأطفال في معسكر التاماي، معسكرنا يا بنتي، سار رجال الإنقاذ مسافة يومين متصلين تحت وطأة حر شديد وسلاح ثقيل، متخذين من التلال الرملية ساترا يسرعون مع العتمة في الخطى، متخذين أكثر الطرق خفية، وصلوا معسكر التاماي مع الفجر بوجوه عابسة، جباه تتصبب عرقا،أمعاء خاوية، أقدام حافية، إيمان صامد كالطود وعزيمة على حماية هؤلاء البائسين حتى آخر رجل فيهم، سمع الإنجليز المهزومون، قرروا الانتقام من أمير الشرق في النساء والأطفال، أخيرا وجدوا ضالة غضبهم – قالت أمي – قبل منتصف النهار بقليل هاجموا المعسكر بالمدافع والبنادق، كانوا يطلقون النار بقوة، قتلوا كل الرجال والأطفال، كنا نتراكض نحن النساء مجنونات بحماية الأطفال، انهال اللهب على الرؤوس كالمطر الحارق، كنا نحاول حماية أنفسنا بالاختباء خلف رواكيب القش التي بدأت تشتعل، التهمت النار المساكن وامتدت كلسان يلقف مسرعا، غطى الدخان فضاء المعسكر وصرنا لا نتنفس، امتدت الجثث على الجانبين، كنت خائفة، عاجزة عن الحركة.

الصفحات