أنت هنا

قراءة كتاب خوف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خوف

خوف

 لست أندم على أنّ مجموعتي لم ترَ النور قبل الثورة ...لقد كتبتُ أولى فصول الخوف حتى جاءت تباشير النصر وأنفاس الحرية ... 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
يئسنا من العثور على المجرم الحقيقي.. سألت ذو الخمسين عن الحلّ قال: علينا أن نخلق المجرم حتّى نخلق براءتنا. جمعت له بقيّة المختبئين حتّى يعرض عليهم هذه الفكرة.. خطب فيهم، وكان مفوّها، بكلام رنّان ومؤثّر؛ فوصف الوضع وعقّد المسألة وأرهب حتّى أبكى.. وفي الأخير اقترح أن يضحّي أحدنا بأن يدفع ثمن الجماعة ويعترف بجريمة تسكت الشرط المنتشرة من حولنا تضيّق علينا الحصار..
 
لم يتقدّم أحد إلى دائرة الحلقة ربّما شعُرتْ الجماعة بما شعرتُ به ؛ صار كلّ شيء في الدّنيا جميلا حتّى فقري وفاقتي وحتى تسكّعي ووحدتي وحتّى فشلي في قصص الغرام المتعدّدة.. كلّ شيء تعس يصبح في هذه اللّحظات مرساة تشدّ قاربك الذي يوشك على الغرق إلى ميناء خرب ولكنّه أفضل من ساعة كريهة تقضّيها تحت الكرباج ..
 
حين طال الصمت وانكسرت النظرات وعلا صوت النفس على صوت الكلام تكلّم ذو الخمسين.. قال: أنا أريحكم من هذا الوضع.. سأخرج السّاعة وأفكّ الحصار وأعترف بأنّني المجرم الحقيقي... لم أشعر إلاّ ويدي التي أقلعت منذ مدّة عن التصفيق تعود إليه.. وما هي إلاّ لحظات حتّى تجاوبت أصداء التصفيق وحملنا ذا الخمسين على رؤؤسنا.. وحين وصلنا حذو الدّرج المفضي إلى الخارج.. طلب من سيّدة أن تعطيه قطعة قماش بيضاء من ثوبها الدّاخلي يرفعه علامة استسلام.. سارع بعض الرّجال يخلع ويمزّق ويناوله ما أراد.. وصعد رمز التضحية، وقبل أن يغادر قال: لا تخرجوا حتّى تسمعوا الأبواق تعلن فكّ الحصار..
 
مضى وقت طويل ولم يأت النفير.. استبدّ بنا العطش.. والجوع.. لم أعد أرى إلاّ رغيفا وكأس ماء وسيجارة.. قرّرت الخروج.. سأعترف بأنّي مجرم صغير.. المجرم الكبير غادر...
 
لم أشعر إلاّ وقدماي تصعدان السلالم وفجأة لاح لي نور الشّارع .. نور حين يقذف في قلبك يشعرك بالرّجفة ويملؤك بالرّعب.. دفعت قدمي إلى الخارج تلمّست بحذر طريقها وساعدتها عيني الكاشفة.. ليس هناك من شرط ولا درك.. لاشكّ أنّهم مختبئون يراقبون حركاتنا ونوايانا..عليّ أن أبدي حسن نيّتي وأتّجه إلى المخفر وأعترف.. دخلت منهكا قسم البوليس.. وجدت ويا لهول ما وجدت.. كان ذو الخمسين هناك يجلس على المكتب.. رحّب بي وقال لكاتبه: خذ أقواله كما فعلت مع البقيّة.. قلت: أنا يا سيّدي مجرم صغير.. اسألوا صاحبكم ذا الخمسين.. وقلت كلاما آخر وأمضيت دون أن أقرأ.. قادوني إلى مكان مظلم ولمّا تبدّد ظلام عيني وسكنت إلى الظلام بدأت أرى وجوها مألوفة.. رفاق الحصار.. فرحت بهم وفرحوا بي وحين سكنت إليهم وعرفت التّهمة الموجّهة إلينا قلت: الحمد للّه أنّهم لم يعتبرونا من كبار المجرمين.. هم أيضا حمدوا اللّه على النّجاة من الحصار ومن التّهمة.. ودعوا لذي الخمسين الذي كان شاهدا يشهد من أهلها على أننا لسنا من كبار المجرمين.. (*).
 
________________
 
نشرت بجريدة القدس العربيّ يوم الثلاثاء 20 ديسمبر 2005 ص10

الصفحات