أنت هنا

قراءة كتاب خوف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خوف

خوف

 لست أندم على أنّ مجموعتي لم ترَ النور قبل الثورة ...لقد كتبتُ أولى فصول الخوف حتى جاءت تباشير النصر وأنفاس الحرية ... 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
يوم دخل الزُّنبُورُ بلاط بغداد!
 
بما أنّني نحويّ والنحويّ من اللُّغاة، أستسمحكم في بعض اللّغو حول المسألة المعروفة عندنا بــ الزّنبورية (*).
 
اجتمع رأسَا المذهب البصري والكوفي (سيبويه والكسائي) في أيّام الرشيد وفي عاصمته بغداد حين كان الصّفاء يسود بينه وبين البرامكة وكان الاجتماع لتدارس مسألة مهمة لم تظهر أهميتها إلاّ فيما بعد وهي: هل نقول كنت أظن أنّ العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي أم فإذا هو إياها؟ قال سيبويه -وقد كان ضيفا على بغداد وعلى بلاط يرتاده الكسائي-: فإذا هو هي. وسفّهه بعد الكسائي تلامذته، وعمل الزنبور عمله في دماغ النحاة والعقرب، فلسع ما شاء ولدغت ما طاب لها، فهاجوا وماجوا، واستنجد البرمكي بمن كان علي الأبواب من الأعراب، فأيدوا الكسائي تأييدا لم يرض سيبويه ولا أصحابه بعده. وبلسعة عقربيه أشد من لسعة الزنبور قضي سيبويه بأرض أخرى غير التي لسع فيها. وزاد البرمكي الكسائي كساء علي كسائه أنام وخز لسعة الزنبور وما داواها. ولما مات الرّأسان، رأسا المذهبين من لدغة العقرب ولسعة الزّنبور، عاد مريدوهما إلي إثارة الزنبور والعقرب من مخبأيهما وعاد الصراع إلي أوله: هل هو هي أم هل هو إياها؟ هل يصح بازاء شدة اللسعة الوجهان أم يصح الوجه الواحد؟
 
مضت قرون منذ دخل بلاط بغداد الزّنُبورُ والعقربُ ومنذ انتقلا إلي الكوفة والبصرة ومنهما إلي أصقاع كثيرة تدرس فيها العربية، وعششت الزنابير وفرخت العقارب حيثما وجدت رؤوسٌ نحوية قبل أن تدخل رأسي أنا هذه المسألة.
 
ينبغي أن تكون نحويّا؛ أي ممّن يقال لهم انحوا هذا النحو فينحون (**)، حتي تشعر بوطأة المسألة علي دماغك. إنك تصاب بهوس كبير؛ تُفْتحُ بوابة مخيّخك فتدخل فيه المسألة، وعندها تشعر فيه بدبيب كدبيب النمل أو أشدّ، وحين تشعر بأنّ لذّة ما تغمرك لعلها لذّة الظفر بالحل السحري لهذا اللغز، ينقطع ذاك الدبيب وتصاب دماغك بما يشبه الأكل الجلدي فيغمرك فيض من شعور تريد معه لو يصبح جسدك كلّه أظافر لتجرش فتطيل أظافرك وتدخلها بين شعر رأسك وجلدته، تدخل الأظافر علي المخيّخ حكّا، وجرشا فتجرش وتجرش وتجرش وكلما حككت - وما حكّ جلدك مثل ظفرك- تشعر بشيء من التورّم فتتكوّر خلايا المخيخ، وكلما تكوّرت صارت مادّته الشّحماء سوداء داكنة. وحين تصبح خلاياك مملوءة زنابير وعقارب، تسلم أمرك لقوّة ما تسيّرك وتشعر أنّك في راحة كبرى. فكم كانت خلايا مخيّخك تزعجك قبل أن تملأها كائنات المسألة الزّنبورية، لا يهم عندئذ أن تختار هو هي أم هو إيّاها، علي الزنابير أن تتدبّر الأمر مع العقارب، أمّا أنت فقد بتّ بلاطا تعشّشُ فيه زنابير بغداد وعقاربها.

الصفحات