أنت هنا

قراءة كتاب خوف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خوف

خوف

 لست أندم على أنّ مجموعتي لم ترَ النور قبل الثورة ...لقد كتبتُ أولى فصول الخوف حتى جاءت تباشير النصر وأنفاس الحرية ... 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
يخيّل إليك حين تصبح نحويّا أنّك مطالب بالإجابة علي السؤال المركزي: أهو إيّاها أم هو هي؟ عندها يمكن أن تخرج من نفس المسلك الذي خرجت منه المسألة والزّنابير: من بلاط بغداد في اتجاه الكوفة والبصرة ـ وهذا مسلك ضروريّ ـ وبعدها لك أن تشرّق أو تغرّب، أن تذهب إلي فارس أو إلى بني أميّه في الشّام أو في الأندلس، لا يهم ستقودك الزنابير والعقارب فهي تعرف جيّدا هذه المسالك وثقْ أنّك ستصل معها إلي برد اليقين.
 
لكن شيء واحد مطلوب منك، حين تصبح نحويّا، أن تحسم أمْرك حسْما ظاهرا: هل أنت مع سيبويه الذي مات بفارس مكمودًا؟ أو مع الكسائي الذي عاش في بحبحة الرّشيد؟ لن تحتاج كثيرا من التفكير حين تكون نحويّا، فالزّنابير والعقارب التي تسيطر علي خلايا مخيّخك ستتدبّر الأمر وبأسرع ممّا تتصوّر ستجدُك كوفيّا أو بصريّا. لا تقلق فالغنيمة ثابتة ولا تبتئس فالموت مصير الناس جميعا.
 
كنت أعرف ذلك يوم. فكّرْتُ في أن أكون نحويّا ولكنّي أردت أو أرادت الزنابير أن أكون أكثر احتيالاً؛ قلت سأغنم ما لـم يغنمه أحدٌ، وسأقول إنّي مع البصرييّن للبصرييّن ومع الكوفييّن للكوفييّن. عزمت أمري علي تنفيذ الخطّة ويمّمت وجهي صوب حلقة الكوفييّن وجعلت أسردُ عليهم حججهم التي تقوّي رأيهـم في المسألة الزّنبوريّة، لم يلتفت إليّ أحدٌ، ولا أبـه بي وجه أو قفا! ربّما كانوا يتفاوضـون في مسألة عنكبوتيّة أو حربائية أو حلزونية لم يصلني علمٌ بها. قصدتُ حلقة البصرييّن وجعلتُ أسردُ علي مسامعهم حججـهم المقوّية لرأيـهم فما أبهوا بي ولا استمع إليّ منهم مستمعٌ، ربّما كانوا يتناقشـون في إمكان أن تكون القشّة أشدّ وخزا من ذابل السيف أو ربّما هي هو أو هو إيّاها... المهم أنّي شعرتُ بأنّ انتسابي إلي المذهبين معًا بات أمْرا مقرّرا، فعيون القوم وإن لم تكن معي فإنّ قلوبهم قد رأتني.
 
عدت إلي منزلي، وجدتُ كلّ الزّنابير بها والعقارب، لقد أرسل عليّ الكوفيّون عقاربهم والبصريّون زنابيرهم، وما إنْ فتحتُ الباب حتّي اعترضتني اللّدغات واللّسعات. وكنت عوض أن أتراجع أمعنُ في الدّار دخولا. كانت الكائنات المعشّشة في خلايا مخيّخي تدفعني إلي هذه الكائنات المعشّشة في خلايا بيتي. حين تتالت اللسعات واللدغات وحين ألفتُ الألم وصار الوخز جزءًا من جثماني، اشتغلت خلايا ناشطة في مخيّخي وأرشدتني إلي أنّ اللسعة الزّنبورية ليست كاللّدغة العقربيّة، وبتُّ أميّز الاثنتين، فكلّما شعرت بوخزة عرفتُ مأتاها أهو زنبورٌ أم هي عقربٌ. عندها شعرت ولأوّل مرّة أنّ المسألة التي أعرف والتي يعرف النحويّون لم تكن هي هي ولا كانت هي إيّاها. فقبل أن تجيب علي سؤال النحوييّن علي العقارب أن تلدغك فتحيا لتلسعك الزّنابير فتنجو وبعدها توازن بين لدغتين، وقبل ذلك كلّه عليك أن تكون قابلا بجثمانك للتجريب والتخريب، وليست المسألة أن تعيش أو أن تموت بل أن توازن بعد أن تذوق السّمّ تجريبا ـ هل أنّ اللّسعتين متكافئتان، وحين تقرّر ذلك ـ وهل يبقي معك عقلٌ؟ـ تناقش النحويّين في وجه ما من لوْك اللّسان للكلام وهو يلوك مرارة الجرعة المسمومة.

الصفحات