أنت هنا

قراءة كتاب عناقيد العطش

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عناقيد العطش

عناقيد العطش

كتاب " عناقيد العطش " ، تأليف د. علي حجازي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

«أملاك خاصة» (ما يشبه المقدّمة)

سامحك الله يا «هارميل ملفيل» تكتب «موبي ديك» «الحوت»، وتلحف بطلبك، تدفع بنا وبك وبه إلى الاحتراق، من أجل دوام النور. أنت تقول: «إذا لم أحترق أنا، وتحترق أنت، ويحترق هو، فمن أين يشعّ النور؟»

ـ (عال!) لمَ يُطلب منا «أنا وأنت وهو» أن نحترق؟

جوابك جاهز: ليشعَّ النور.

ـ رائع هذا التسامي، ورائعة هي الروح الجماعيّة، ولكن السؤال الذي يقضّ مضجعي هو: إن احترقت أنا وأنت، ولم يحترق هو، سيشعّ النور. وسأفنى معك ويسلم هو، ويستمتع بالنور وحيداً، لا بأس، نحن، أي أنا وأنت لسنا أنانيين، لأنَّنا عندما نهب القنديل زيتاً، من شحمنا، لا نفكِّر بمن سيستمتع بالنور، غير أنَّ استمرار شحمي وشحمك، من نسلي ونسلك. ويسلم هو مع نسله، لا يستوي ساعتئذ ميزان عدل الحقيقة، عندها أفنى معك، غير أنّا سنكون راضيين، فيما لو احترقنا، أنا وأنت، وتنعَّمَ هو مع أحفادنا. أقصد: أحفادي وأحفادك وكلّ الأحفاد.

الفرضية الثانية: إذا احترقت أنا وهو مع نسلنا، لتسلم أنت مع نسلك، ولنستفيد من النور ، فرضية مرفوضة، لأنَّها مُعادِلةٌ للأولى، وقلِ الشيء نفسه عن الفرضية الثالثة. إذا احترقت أنت وهو، وسلمتُ أنا مع نسلي لنتمتع بالنور.

إذاً؛ المسألة مسألة بذلٍ جماعي، وشعور بالمسؤولية الوطنية عظيم.

في الواقع، إنَّ البخّور المنبعثة رائحته من دم واحدٍ أو اثنين، من رجال المعادلات الثلاث، لا يكون طيباً بما فيه الكفاية. فبخور احتراق دم الجميع يرفعك إلى أعلى عليين، ويسمو بك فوق الشهوات.

في وطني لا يحترق هو، ربما لأنه يعيش في برج عاجي، بل يعيش محمولاً على أكتافنا أنا وأنت، مع أحفادنا والذراري. نحن نعرفه، غير أن زجاج البرج وامتناعه عن مقابلتنا. وخضوعنا لإرادته، مع قبولنا بعدم الإلحاف على رؤيته، يؤلّههُ، حتى إذا ما أطلَّ علينا يوماً، من علٍ، نحتفل، نعيّد، نرقص، لأنّه كلمنا، ولو كانت لغته لغة الآمر الناهي.

يا أخي، رمادي لا يحترق ثانية، ورمادك كذلك، وشحمي مقدرٌ في جسدي ومعلوم، وكذلك شحمك، والله لن يبعثنا ثانية إلَّا أحراراً. وبين يديه هو، لا غيره. فلم لا نفكّ قيود الأنا والأنت، ولم لا نحرق لمرّة واحدة فقط، شحم «الهو» فقط، لنتعرّف إلى رائحته. فقديماً قيل: عليك أن تعجم العود لتتعرّف إلى طبيعته. إلى مقدار طراوته أو صلابته، إلى مذاقه. وفي مقلع الحجارة نتعرّف إلى طبيعتها.

ثمَّ لو ألقيت أنا أعواد المحمل، وألقيتَ أنت، فسيقع الهو، من دون شكّ. دعه يقع. لعلَّ النار تصل إلى أعواده فيحترق. ثمَّ إن احترق مرّة فلا بأس. فنحن احترقنا آلاف المرّات.

وبعد، يسأل حفيد من أحفادي: ولمَ لا يسمعُ هذا الهو أصواتنا؟ لا يسمع صراخ المعوزين، وأنين المقهورين؟ ولمَ لا يرى الأرامل واليتامى وأبناء السبيل؟ فيجيبه واحد من أبنائك، ولعلّه وجد له عذراً:

«ربّما لأن أزيز احتراق الأعواد، منع عليه السمع. ولأن ألسنة اللهيب حجبت بقايانا عن بصره. ربّما، ربّما»... ثمَّ ما يفيدك لو رأى بقايانا تذوب وتذوي ليشتعل النور؟ ثم ألا ترى معي أنّنا نغالي برفع أصوات أزيز احتراقنا، إذا ما طُلب إلينا أن نلقم النار، خشية أن تنطفىء. وأن ألسنة لهيب احتراقنا تتراقص إلى الجوزاء فرحة بطلب الهو. ولو كان الطلب إلينا الزوال.

الصفحات