أنت هنا

قراءة كتاب عناقيد العطش

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عناقيد العطش

عناقيد العطش

كتاب " عناقيد العطش " ، تأليف د. علي حجازي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

الفتى وسط الحقل، منتصب مثل رمح، لا يدري ما يفعل، بين يديه حجر مستطيل قليلاً، حفر عليه اسم والده وتاريخ استشهاده. حاول مراراً أن يشرح للشخص الغاية من وجوده هناك، غير أنّ ذاك لم يمهله، ولم يفسح له المجال لذلك. فانفعاله كان قوياً لدرجة أنّه سيطر على عقله، فلم يسمع تسويغ الفتى، وشرع يلوّح بهاتف محمول، أدناه من أذنه، ثمَّ أبعده، وتفحّص على عجل الرقم الموجود على شاشته، وراحت الكلمات متقطعة، تخرج من فمٍ أرغى وأزبد.
ـ إنَّه هنا، نعم، إنَّه وسط الزرع، وداخل حدود الحقل. نعم سيدي، إنَّه يحمل حجراً، نعم الحجر كبير، كبير جداً ومستطيل. لا. لن أقترب منه، أخاف، قد يضربني به. نعم، نعم. سأنتظر (كان يحدّث شخصاً يبدو أنّه صاحب الحقل).
تجمّد الفتى حائراً، ماذا يفعل أمام هذه المصيبة النازلة عليه، التي لم يحسب لها حساباً البتّة؟ فتح فمه وردَّد بضع كلمات بدت للشخص الذي أدار ظهره، وانحنى يجمع حجارة صغيرة، غير مفهومة.
حاول الفتى ثانية، وبصوت أعلى: أنا لا أقصد إيذاء الزرع أبداً!
ـ إذاً، تقصد ماذا، قل؟ إنها المرّة الثانية، بل الثالثة التي أراك فيها هنا، أنا وكيل هذه الأملاك، وأرقب كلّ شاردة وواردة.
ـ أمِّي قالت.
ـ ماذا قالت لك أمّك ؟ هيا تكلم! على كلٍّ حال وفّر شهادتك، ها هم قادمون، وعندها قل كلّ ما تريد قوله.
ـ من تقصد؟
ـ رجال الدرك، اتصلت بسيدي الآن، وقال: لا تخف، سيكون رجال الدرك عندك بعد قليل.
«أغمض الفتى عينيه، وراح يستعرض مشهد سحب جثة والده، التي بقيت هنا، حيث استشهد؛ ويومها، اتصل هو وإخوته مرات عديدة بالمخفر وبقوات الطوارىء، علهم يلقون مساعدة، من دون جدوى».. فتحهما وتوجه إلى الشخص قائلاً:
ـ القضية لا تستحقّ مثل الذي تفعله، وما أنا سوى راغب بوضع هذا النصب هنا.
ـ أهي أملاك أبيك حتى تنصب الحجر هنا؟ (قال مقاطعاً).
ـ أبي رحمه الله، ليست له أملاك كهذه الأملاك، صحيح، ولكن!
ـ لكن ماذا؟ هيا، انطق.
ـ قال لي قبل آخر وداع، قبل آخر قبلة، إنَّ الأرض، كلّ الأرض لنا، وعلينا...
ـ وعليكم ماذا؟ أكان والدك يبغي وضع يده على هذه الأرض؟
ـ لا، وأنت تعرف أبي أكثر من غيرك، كان يمتلك رشيشاً فقط، حتى الرشيش لم يكن له، إنه للمقاومة، وكان هدفه تحرير الأرض.
ـ لا تخفني برشيش أبيك، فأنا الآن بحماية الأمن والقانون.

الصفحات