قراءة كتاب عناقيد العطش

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عناقيد العطش

عناقيد العطش

كتاب " عناقيد العطش " ، تأليف د. علي حجازي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

لم تبصر دماراً في الضاحية

إلى آلينا وأخي فهد

بفرحٍ، بل بضيق شديد، شَعَرَتْ آلينا المغادرة إلى رومانيا، عبر مطارِ دمشق، بعد إقفال مطار بيروت، وهي في حالةٍ من النشوةِ، ممزوجة بحزنٍ تراكَمَ على امتداد مسافةٍ زمنيةٍ بَلَغَتْ ثلاثةً وثلاثين يوماً، أبصرت خلالها، آلاف المشاهدِ المأسويّة، صوراً لأناس تشبّثوا بتراب القرى والمدن والبلدات، فالتحموا بها حتى الاستشهاد، بيوتاً مدمرة، أحياءً أُزيلت عن خارطة الوطن بالكامل. جسوراً، بنايات، مؤسسات، مكتباتٍ خاصة، وعامة، احترقت فيها الكتبُ الذكريات.

هي حزينةٌ لأنَّها مضطرة لفراقِ زوجها الطبيب شهراً من الزمن. دنت منه وقالت:

ـ أتُصَدِّقُ يا عزيزي، أنني أحاولُ إخراج آلاف الصور المؤذية التي أبصرناها معاً، فلا أقدر لأنَّها تؤلمني، تدفع بي إلى النفور من شيء، أحسُّ بأنني على وشك الانتقام منه.

ـ أنا أفهم وضعَكِ، لأنَّني أشعرُ الوجعَ نفسه، ألم نذق مرارة الحرب معاً؟ لقد حاولت مراراً أن أعرف مقدار حقدِهم، وحقد أطفالهم تجاه أطفالنا، أنا أعلمُ براءةَ الطفولةِ، وأعرفُ أنَّ الطفلَ من الممكن أن يهدي وردةً لا صاروخاً، حياةً لا موتاً. لقد بحثت كثيراً عن مقدار قوة القذائف التي أتت على بناياتٍ كبيرة، فأحالتها ركاماً ممزوجاً برماد، وروائح الدخان المنسرب من أنقاضها الجاثمة مؤذٍ، يُصيب الناسَ بسعالٍ حادٍ، بتقزز بجحوظٍ في العينين العصيتين على الدمع. (قال).

ـ سأعترف لك، على الرغم من الشوقِ الذي يشدّني لرؤية الأهل، راغبةٌ بتأجيل السفر مرّة ثانية. فأنا أشعر بحنين يشدُّني للبقاء معك، ومع الأهل هنا.

ـ أنتِ أجّلتِ هذه الرحلة التي كانت مقررةً في تموز، وآن لك أن ترتاحي، وعليكِ أن تنسي وضعنا قليلاً، فأهلُكِ مشتاقون إليك. وإلى عايدة وعلي، خصوصاً بعد هذه الحرب.

هزَّت آلينا رأسها وقالت:

ـ لا أستطيع وصف المشاعر التي انتابتني، ساعة طَلَبْتَ إليّ المغادرة مع الجالية الرومانية، وقتها سألتُ نفسي: أأعود إلى أهلي لاجئةَ حربٍ من دونك، حاملةً خوفي عليك، لا سيما وأنَّك طبيب تقوم بواجبك الإنساني، معرَّضٌ للخطر في كلّ لحظة؟.

ـ أنا أعرف مقدارَ وفائِكِ وحبُّكِ لنا، وبالمقابل، أعرفُ عنادكِ وعزّة نفسك.

ولكن، ألا ترى معي، أنني حققت ذاتي، عندما أُسافر،الآن، حاملة معي ما يسعدني دهراً؟ أنا أحملُ النصرَ المتحقق في أرضنا على أعتى قوة ظلامية إرهابية في العالم.

الصفحات