قراءة كتاب عناقيد العطش

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عناقيد العطش

عناقيد العطش

كتاب " عناقيد العطش " ، تأليف د. علي حجازي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

فعلامَ هذا التصاغر؟ وإلام هذا التضاؤل؟. بالأمس بكيت، ومن دون أن تطلب إليّ، سأقصّ عليك الحكاية:

بالأمس، كنت ماراً في قرية من قرى جبل عامل (جنوب لبنان) ولفتني جمعٌ. تقدّمت، رأيت دورية عسكر، تنحّيت جانباً، وأصختُ السمعَ، فصرخ أحدهم مشيراً إلى رجال الدورية أن يتبعوا فتىً، يحمل بيده حجراً مستطيلاً قليلاً، قائلاً لهم: ها هو، مرَّ بالزرع، أتلفهُ، تقدموا تجاهه، أمسكوه من ذراعه، استنطقوه، سيعترف، سيقول الحقيقة، هو لا يكذب، أنا أعرفه، كل أهل الضيعة يعرفونه.

ـ صرخ الفتى: اتركوني، أنتم تعاملونني بوحشية.

ـ أتتلفُ زرعَ الرجل، وتطلب إلينا أن نتركك؟ من أنت؟

ـ شرق الفتى بدمعه وقال بصعوبة: أنا ابن شهيد، وجئت أتفقّد الموقع الذي سقط فيه.

نعم، والد الفتى ارتفع إلى الله، قل احترق في استشهاده، وأضحى رمادا في أرضه. لهيبُ احتراقه فلَّ حديد سلاسلِ العدوّ، صهره، وصهر أقفال المعتقلات، في أنصار وكفرمان والخيام، وصهر أقفال الوطن، لكنه أضحى رماداً، فمن الذي استفاد من رماد الاشتعال؟ هو. نعم جاء برماد الشهيد وبذره في الأرض ثم زرع، فنما زرعه كثيراً، لأن رماد الخلّص وفير العطاء، وبدلاً من إنشادة نصب لروح المشتعل، أو السماح، لأبنائه بإقامة مثل هذا النصب، حرّم على نسله المرور بمكان المحرقة، محرقة روح الفرد في سبيل الأرض والوَطن والأمّة.

أرأيت؟ لو احترق من الهو واحد لقدّس مكان الاحتراق، غير أنّا كثيراً ما نضحي أمام الهو، الذي لا يستحقّ.

سامحك الله يا «هارميل ملفيل» أرأيت طفل المحرقة؟.

أملاك خاصة

(القصّة)

«إذا لم أحترق أنا، وتحترق أنت، ويحترق هو، فمن أين يشعّ النور»؟ «هارفيل مالفيل» في «الحوت».

«موبي ديك»

لم تكنْ جلبةً عاديةً، كان صراخ الشخص في الحقل مرتفعاً جداً، أوداجه منتفخة كأنّها جلود الضفادع، حين تنقّ نقيقاً مرعباً، وعيناه جاحظتان جحوظ عيون الأفاعي لحظة التهامها آخر أعضاء ضحاياها. وشعره منفوش كأعواد شجرة الزقوم، ويداه ترسمان في الهواء خطوطاً بهلوانيةً، بينما كان يزرع الحقل جيئة وذهاباً، مثل ذئب أرخى رقبته.

الناس تجمهروا على حدود زرع، ممنوعين من الدخول إليه بفعل الحجارة التي تُلقى باتجاههم، بذريعة أنَّه أملاك خاصة. وهم حاولوا جادّين ردع الشخص عن فعله المستهجن.

الصفحات