أنت هنا

قراءة كتاب حضارة مصر القبطية - الذاكرة المفقودة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حضارة مصر القبطية - الذاكرة المفقودة

حضارة مصر القبطية - الذاكرة المفقودة

كتاب " حضارة مصر القبطية - الذاكرة المفقودة " ، تأليف منير غبور / أحمد عثمان ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 5

عندما نسأل: لماذا تم إبعاد الأسرة البطلمية من العصر الفرعوني، يكون الجواب عادة: لأن البطالمة كانوا أجانب وليسوا مصريين، إلا أن هذه الإجابة في الواقع مضللة، ذلك أن البطالمة لم يحكموا مصر كحكام أجانب نيابة عن مقدونيا، بل كانوا حكاماً محليين، تماماً مثل الأسرة المالكة حالياً في بريطانيا التي هي من أصل ألماني، وكما كانت أسرة محمد علي باشا - التي حكمت مصر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين - من أصل ألباني، بل إن هناك العديد من الأسرات التي تضمنها العصر الفرعوني كانت كلها من أصل أجنبي.
الأسرات 15 إلى 17 (1650-1550 ق. م.) كانت من الحكام الهكسوس ذوي الأصول الآسيوية. الأسرات 22-23 (945-715 ق. م.) كانت من أصل ليبي. الأسرة 25 (747-656 ق. م.) كانت نوبية الأصل. الأسرة 31، وهي التي اعتبروها آخر أسرات العصر الفرعوني، لم تكن أجنبية فحسب بل حكمت مصر كمستعمرة للإمبراطورية الفارسية، فقد غزا قمبيز الثاني مصر أولاً في 525 ق.م ثم وقعت مصر تحت الحكم الفارسي للمرة الثانية سنة 343 ق.م أيام حكم الملك نكتانبو الثاني من الأسرة 29، وهو آخر الفراعنة المصريين الذين حكموا البلاد، أما الأسرة 31 - وهي آخر أسرات العصر الفرعوني التي انتهى حكمها بقدوم الإسكندر في 332 ق.م فكانت تمثل ملوكاً من الفرس: آرتاكسيريكس الثالث 343-338 ق.م، آرتسيز 338-336 ق.م وداريوس الثالث 336-332 ق.م.
من الواضح أن استبعاد البطالمة - الذين اعتبروا أنفسهم ملوكاً مصريين منذ البداية - عن العصر الفرعوني ليس عائداً إلى كونهم من أصل أجنبي، فالسبب الحقيقي لاستبعاد البطالمة الذي جرى خلال القرن العشرين، عقائدي أيديولوجي، وليس تاريخياً. فلم يتبع الباحثون الكلاسيكيون التطور الطبيعي للتاريخ المصري، لكنهم اتبعوا فهمهم الخاص لما كان هذا التاريخ يمثل لديهم، أرادوا اعتبار البطالمة حكاماً يونانيين، حتى يتمكنوا من إثبات استنتاجهم الخاطئ بأن عاصمة البطالمة في الإسكندرية كانت مدينة يونانية، وعلى ذلك تكون ثقافة الإسكندرية يونانية هيلينية وليست مصرية، ومع هذا فإن تاريخ الملوك المقدونيين الذين حكموا مصر، ليس فقط مخالفاً لهذا الاستنتاج، بل يتعارض معه كلية، فلم يأت الإسكندر إلى مصر - كما يدعون - في مهمة لنشر الثقافة الهيلينية ونظامها الإداري في بلادنا، بل إنه شخصياً اعتنق العقائد المصرية وقام الكهنة بتتويجه فرعوناً في مدينة منف.
عندما وصل الإسكندر إلى مصر في نوفمبر 332، رحب به الشعب المصري كمحرر لبلادهم من اضطهاد الفرس، واضطر الحاكم الفارسي مازاسيز إلى الاستسلام، وقام الإسكندر بتقديم الأضحية إلى العجل أبيس المقدس في منف، عاصمة البلاد في ذلك الوقت، وهناك تم تتويجه بحسب التقاليد المصرية وارتدى تاج الأرضين الفرعوني، حيث قام الإسكندر بتطييب خاطر الكهنة وقبول العقائد المصرية، وأمضى الإسكندر ذلك الشتاء في تنظيم البلاد اعتماداً على حكام مصريين، بينما جعل الجيش تحت قيادة مقدونية منفصلة، وأعطى الإسكندر تعليماته لبناء مدينة الإسكندرية بالقرب من الفرع الغربي لدلتا النيل، بين البحر وبحيرة مريوط بحيث تحميها جزيرة فاروس في الشمال، سار الإسكندر بعد ذلك غرباً على شاطئ البحر، ثم نزل جنوباً داخل الصحراء الغربية لزيارة معبد آمون بواحة سيوة حيث أكد له كاهن النبوءة أنه ابن آمون، وكان ولاء الإسكندر لمعبود النبوءة في سيوة كاملاً، فبعد مضي عشر سنوات - بينما كان الإسكندر يموت في بابل - أمر بأن يؤخذ جسده إلى واحة سيوة، ويتم دفنه بالقرب من والده آمون. وبحسب ما أورده ديودوروس عندما دخل الإسكندر إلى المعبد بصحبة الكهنة ليشاهد الإله، خاطبه أحد من الكهنة الكبار قائلاً: حماك الرب يا بني، وهذا اللقب (ابني) جاء إليك من آمون نفسه. فأجاب الإسكندر: قبلت يا أبي، ولو جعلتني سيد العالم كله سوف أدعى ابنك دائماً.
بعد وفاة الإسكندر وهو بعد شاب صغير، نشب الصراع بين قادته حول اقتسام الإمبراطورية وقام سوتر (بطليموس الأول فيما بعد) باختطاف نعش الإمبراطور سنة 323 ق. م.، وجاء به إلى منف في مصر، حيث ثبت نفسه حاكماً للبلاد. وحكم سوتر مثل بقية القادة المقدونيين المتنازعين لتقسيم الإمبراطورية، باسم ورثة الإسكندر الشرعيين، فيليب آرهيديوس (المتخلف) - أخيه من أبيه - والإسكندر الرابع ابنه الطفل - من زوجته روكسان. وبعد موت ابن الإسكندر في ظروف غامضة، صار بطليموس حاكماً منفرداً لمصر. وبحسب ما أورده ديودورس الصقلي فإن بطليموس: أخذ حكم مصر دون مشكلات، وعامل الأهالي بلطف وجمع 8000 وزنة من المال، واستخدم قوة من الجند المرتزقة ونظم سلطته.(2)
وهناك نص هيروغليفي مهم: "مؤرخ للعام السابع للملك الإسكندر الصغير، وهو أول تقرير داخلي لدينا للحكم البطلمي يسمي سوتر)بطليموس): نص هيروغليفي يسميه حاكم عظيم اسمه بطليموس ... الذي أعاد تماثيل الآلهة (التي كان الفرس قد سرقوها) والتي وجدها في آسيا. كل الأثاث والكتب لكل المعابد في الشمال والجنوب، أعادها إلى أماكنها".(3) وبعد انتهاء الصراع بين قادة الإسكندر، أصبح بطليموس متفرداً في مصر وأخذ لقب الملك عام 305 ق. م. ونسمع عنه في كتابات الدلتا الهيروغليفية - خصوصاً في مسألة الحاكم - كملك فرعوني على الطريقة المصرية:
"في العام السابع للفيضان، وقدسية حورس الشاب الغني في قوته، سيد التيجان المحب للآلهة، الذين منحوه جلال والده، حورس الذهبي حاكم العالم، ملك مصر العليا ومصر السفلى، سيد الأرضين، مسرة قلب آمون الذي اختارته الشمس ابن رع، من الإسكندر الذي لا يموت ومن مدينة با وتب، الصديق.
إنه ملك في عالم غريب، كما كان قداسته داخل آسيا فكان حاكماً عظيماً في مصر، كان اسمه بطليموس ... فقد أعاد تماثيل الآلهة التي وجدها في آسيا مع الأثاث وكتب معابد شمال وجنوب مصر، أعادها إلى مواقعها. وجعل مقره قلعة الملك - محباً لاسم آمون الذي اختاره رع، ابن رع، الإسكندر ...
خاطبه وكيله وكبار مصر السفلى، في الأرض البحرية التي تسمى بوتو حيث وضع الملك تمثالاً لتانن مختار بتاح ابن رع ... خاطبوا قداسة الملك السيد وحورس ابن أوزوريس حاكم الحكام وملك الملوك لمصر العليا. ملك الملوك لمصر السفلى الذي انتقم لأبيه. سيد بي أصل الآلهة الذي لم يوجد ملك مثله ".(4)
وبحسب ديودوروس فإن بطليموس الأول كان حريصاً على تأكيد حقه الشرعي في الجلوس على عرش الفراعنة، وتقديم نفسه على أنه وريث شرعي لهم. وكان هذا هو السبب الذي جعله يأمر بأن يكون المعبود سرابس (وهو أوزوريس- أبيس عند المصريين)، هو الإله الرسمي لمدينة الإسكندرية، وعمل هو وخلفاؤه على تثبيت عقيدته. على هذا فإن الأسرة البطلمية التي حكمت مصر لثلاثة قرون قبل بدء التقويم الميلادي، لا تمثل حكماً أجنبياً واحتلالاً يونانياً كما يقول البعض، بل كانت أسرة مصرية من أصل أجنبي. وهم اعتبروا أنفسهم - كما اعتبرهم المصريون - خلفاء شرعيين للفراعنة. وبينما اعتمدوا في بداية حكمهم على المهاجرين من مقدونيا واليونان لإدارة البلاد، فقد تغير الأمر بعد ذلك تماماً - وخصوصاً منذ عهد بطليموس الرابع عند بداية القرن الثاني ق. م. - عندما أصبح المصريون أكثر أهمية سواء في الإدارة أو الجيش. "يخبرنا بوليبيوس إنه عندما كان فيلوباتر (بطليموس الرابع) يستعد للدفاع عن المملكة المصرية في مواجهة هجمات الملك السلوقي أنتيوجوس الثالث في هجومه (من سوريا) على فلسطين في 219- 218 (التي كانت تابعة لمصر) قام هو - أو بعض وزرائه - بتسليح 20 ألف جندي مصري في فيلق. ويضيف بوليبيوس أن نتيجة المساهمة الكبيرة التي قام بها الجنود المصريون في تحقيق النصر في معركة رفح في يونيو 217 (قبل الميلاد)، ثورة الأهالي التي استمرت بشكل متقطع لبضع سنوات ... ومن المعروف جيداً أن العناصر المصرية بدأت تسيطر على كل نواحي الحياة".(5)

الصفحات