أنت هنا

قراءة كتاب حضارة مصر القبطية - الذاكرة المفقودة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حضارة مصر القبطية - الذاكرة المفقودة

حضارة مصر القبطية - الذاكرة المفقودة

كتاب " حضارة مصر القبطية - الذاكرة المفقودة " ، تأليف منير غبور / أحمد عثمان ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 8

اكتشاف قصر كليوباترا

وقع كشف أثري هام بالإسكندرية في عام 1998، سيكون له أثر كبير في تغيير فهمنا للتاريخ الكلاسيكي. وتحت عنوان "البحر يسلم كنز كليوباترا"، نشرت صحيفة الصنداي تايمز اللندنية هذه القصة في 25 من أكتوبر 1998: "تم الكشف عن القصر الملكي الأسطوري لكليوباترا الذي فيه عشقت يوليوس قيصر، الذي تم استرجاعه من تحت أمواج البحر المتوسط حيث رقد منذ أكثر من ألف و 600 سنة" تم هذا الكشف المهم بعد أن صرحت السلطات المصرية في 1990 للمعهد الأوروبي للبحث الأثري تحت الماء، بالعمل بالقسم الشرقي للميناء الشرقي، حيث كان يقع الحي الملكي في عهد البطالمة، وبعد بضع سنوات من البحث وعمل الخرائط، تمكن فرانك جودييو - القائد الفرنسي لبعثة الآثار المائية - من الإعلان عن اكتشافه للقصر الملكي لكليوباترا (51-30 ق. م.)، التي كانت آخر حكام الأسرة البطلمية، وقد عثر الغطاسون الذين يعملون مع جودييو على أرضيات من الرخام في قاع البحر، يعتقد أنها في موقع قصر كليوباترا. وعثر الغطاسون كذلك على كتل من حجر الجرانيت الأحمر وأعمدة مكسورة فوق جزيرة أنتيرودس التي تغمرها المياه، دليل آخر لجودييو لتأكيد موقع الحي الملكي. وتم استعادة بقايا من قصر كليوباترا من تحت مياه البحر المتوسط، كانت مختفية منذ 17 قرناً، كما أبلغ الغطاسون عن مشاهدتهم لأعمدة وتماثيل للآلهة المصرية وأحواض وأفران وحتى حوائط، يعتقد البعض بوجود حمامات كليوباترا بينها.
وبعد مرور أربعة أيام على تقرير الصنداي تايمز، نشرت وسائل الإعلام العالمية تفاصيل أخرى عن هذه الكشوفات التي كان من بينها شكل لأبي الهول، وعدة تماثيل دينية ظهرت للمرة الأولى بعد حوالي ألفي عام، عندما تم رفعها من بين بقايا مدينة الإسكندرية التي غرقت تحت سطح الماء، وعثر كذلك على تمثالين عند مدخل معبد صغير داخل قصر كليوباترا، يمثل أحدهما والد الملكة (بطليموس الثاني عشر) مصنوعاً من الجرانيت الرمادي. هذا المعبد الملكي لإيزيس لم يرد ذكره في كتابات استرابوا، الذي يعتبر أهم مصدر كتب عن الإسكندرية القديمة. وقد سر فراك جودييو للعثور على هذا المعبد الذي يبلغ ارتفاعه 20 قدماً، وقال للصحافيين إن هذا المعبد: "لم يكن معروفاً، وكان علينا توقع وجود مثل هذا المعبد بالقرب من القصر الملكي. هذا كشف مثير." كما تم العثور على تمثال بالحجم الطبيعي لكاهن حليق الرأس، يرتدي عباءة ويحمل جرة لها غطاء على شكل رأس أوزوريس إله الموتى، وهكذا، بعد خمس سنوات من أعمال الكشف الأثري تحت سطح الماء، أعلن فرانك جودييو قائد البعثة أنه تمكن من التعرف إلى موقع قصر كليوباترا وتحديد مكان الحي الملكي للبطالمة، الذي كان أهم مركز سياسي في تلك الحقبة من التاريخ، لكن أرض هذا الحي كانت تنزلق تدريجياً لمئات السنين، مما أدى إلى سقوط البنايات، حتى جاء زلزال قوي سنة 365 ميلادية، تبعته أمواج عاتية أغرقت الحي الملكي بأكمله.
جاء العثور على معبد فرعوني داخل منطقة القصور الملكية البطلمية، بمثابة مفاجأة غير متوقعة لدى رجال الآثار الذين لم يتوقعوا العثور على بقايا فرعونية في عاصمة البطالمة. هذا المعبد الصغير لإيزيس، وجد على مقربة من مقر الملكة كليوباترا وعند مدخله بقايا فرعونية: أشكال لأبي الهول وتمثال الكاهن المصري وكذلك تمثال لوالد كليوباترا منحوت على الطريقة الفرعونية المصرية. وأثارت الكشوفات الجديدة تعليقات الباحثين، حيث علق زولت كيس - البروفيسير في أكاديمية العلوم البولندية - على الطبيعة الفرعونية للآثار التى تم العثور عليها في الحي الملكي البطلمي قائلاً: "بالتأكيد يمكننا القول في ضوء هذه الكشوفات إن إسكندرية البطالمة والرومان كانت قليلة الهيلينية وكثيرة المصرية عما كان عليه الاعتقاد". (جريدة التايمز في 29/10/1889م)
لما كانت وجهة النظر الكلاسيكية تعتقد أن الإسكندرية القديمة كانت يونانية، فقد جاءت الطبيعة الفرعونية لقصر كليوباترا مفاجئة بشكل كبير. حتى أن الدكتور مصطفى العبادي - وهو أستاذ الدراسات اليونانية الرومانية بجامعة الإسكندرية - أصر على أن "الإسكندرية كانت يونانية تماماً."(14) ومع هذا، فإن الكشف عن إسكندرية كليوباترا قد بين - بعكس ما يعتقده الدكتور العبادي - أن عاصمة البطالمة كانت مدينة مصرية فرعونية، وقد أدى العثور على بقايا فرعونية بدلاً من البقايا اليونانية داخل قصر الحاكم البطلمي إلى صدمة لدى بعض الباحثين الكلاسيكيين، ومع هذا رفض جين يويوت - الأستاذ بالكوليدج دي فرانس - قبول الاستنتاجات السابقة، أمام المئات من رجال الصحافة والإعلام الذين جاؤوا إلى الإسكندرية لحضور المؤتمر الصحافي، آملين في الحصول على بعض التفسيرات حول الطبيعة الفرعونية لقصر كليوباترا، ولكن ما قاله يويوت للصحافيين زاد من حيرتهم وأغلق ملف التساؤلات، على الأقل في الوقت الحاضر. وقد نشر يويوت رأيه الذي قاله للصحافيين في كتاب باسم "الأحياء الملكية المغمورة" تم نشره في لندن بعد ذلك. يقول يويوت:
"علينا أن نحذر من الشروحات المتعجلة والتبسيطية فيما يتعلق بما يعثر عليه وتتم رؤيته في الموقع، ونبقي الأسئلة والإجابات داخل الإطار العام للبحث في التاريخ القديم ... فلكون الإسكندر هو القائد الأعلى للتحالف الهيليني (اليوناني) فمن الطبيعي أن يقوم ببناء مدينة يونانية، فالمهندسون اليونان قاموا ببناء مدينة على الطراز اليوناني ... ومع الملوك البطالمة أصبحت الإسكندرية (التي تقع) عند حدود مصر، واحدة من محاور الثقافة الهيلينية ... فالإسكندرية كانت وسوف تكون دائماً مدينة يونانية كاملة، خارجة ومنفصلة عن قلب مصر القديمة. فهي في كتاباتها وبقاياها تنتمي إلى الهيلينيين (اليونان)."(15)
كان فراك جودييو رئيس بعثة الغطس الأثرية قد اختار يويوت للقيام بعمل كشوفات تتضمن المكتشفات التي تم العثور عليها، وترجمة النصوص الهيروغليفية الموجودة بها، لكن الأستاذ الفرنسي قرر تجاوز مهمته حتى يمنع أجهزة الإعلام من قبول النتيجة المنطقية التي توصلوا إليها في البداية، من أن قصر كليوباترا يشير إلى الطبيعة الفرعونية لحكم البطالمة، بل إنه تمادى في محاولة فرض رؤيته الخاصة على البعثة بأن حدد لجوديو نفسه المهمة التي عليه أن يلتزم بها، أي البحث عن قصر يوناني وليس مصري:
"تسبب افتتان الإنسان الحديث بماضي مصر السحيق، ... في أن تغطي الثقافة المصرية المنقرضة على بقايا الحضارة الكلاسيكية التي سادت في الإسكندرية: فكل من الصحافة ووسائل الإعلام المرئي والمسموع، بمجرد ما تأكد من (قصر) كليوباترا البطلمية وفنارة بطليموس، أسرعوا بذكر وتكرار (الحديث عن) التماثيل الضخمة وأشكال أبى الهول، والمسلات المنحوتة من الجرانيت الأسواني والأعمدة التي على شكل أوراق البردي والعلامات الهيروغليفية. (يتحدثون عن الملك) سيتي ورمسيس، بدلاً من طرز الإيونك والدورك والطراز الكورنثي (اليونانية) والأعمدة الرومانية للأسرة البطلمية وللقياصرة.
صارت أشكال أبى الهول التي وجدها الغطاسون تحت الماء، هي نجوم العرض المصور هنا وهناك، (صارت) الإسكندرية تساوي (معبد) الكرنك! وبالطبع فإن هذا العرض استدعى صورة محرفة عن الواقع في عقل الجمهور عن الإسكندرية، وجرى نقل آثار الإسكندرية من مجال الكلاسيكيات إلى مجال المصريات.... وبالمناسبة فإن المكتشفين أنفسهم تأثروا بهذه الآثار الشرقية، التي وإن كانت أقل عدداً لكنها أكثر شيوعاً وأكثر استعراضاً، مما أدى إلى أن العلماء - حتى اليوم - عرفوا أكثر عن المصريات التي وجدت تحت الماء، عما عرفوا عن اليونانيات."(16)
إلا أن يويوت كان مضطراً إلى تقديم تفسير ما عن كيفية وجود هذه البقايا الفرعونية الكثيرة داخل نطاق الحي الملكي البطلمي، حتى عهد كليوباترا عند نهاية حكم البطالمة:

الصفحات