أنت هنا

قراءة كتاب مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

كتاب " مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا " ، تأليف حسين نصر الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مقدمة

تحاول الديمقراطية اليوم رسم أسطورتها الجديدة والذين تلوثوا بالأمس بخطيئة السلطة وأقفلوا الأبواب أمام العقول الجديدة التي حاولت تقديم مقاربة متقدمة في القانون والسياسة والإدارة..الخ، تحولوا الآن إلى تقاة خلعوا ثوب الديكتاتورية البالي واكتسوا كساء الحرية وزيّها ليدخلوا عصراً جديداً من عصور الرق والعبودية اصطلح على تسميته "النظام العالمي الجديد". لكن لماذا يبدو العرب وكأنهم انتقلوا من عصر توازن الخوف بين الشرق والغرب، إلى عصر الخوف من أنفسهم، ولماذا يشير عصر السلام مع الخارج إلى بداية حروب داخلية بين المجتمعات العربية نفسها؟ وإذا كان الغرب يشحننا بقيم العولمة ويعدنا بجعل العالم قرية كونية، فمن هو الذي يشحن الأمة بكل هذا الضجيج الطائفي...وكيف حدث أن كتل الشعارات المذهبية والقبلية والعشائرية عادت لتتدحرج فوق روؤسنا محطمة كل من يقف في طريقها؟ كأن العقل العربي وضع تحت تصرف حفاري القبور.. وفي الظل بدأت طبقة دموية جديدة تنمو لتضع حداً للآخر.. أي آخر!

سياسيون وحزبيون.. علمانيون ودينيون.. ليبراليون وقوميون يتحركون في الظلام كي يضعوا حداً لهذا السلام المجتمعي العربي"الطارئ".. ويتصرفوا كأن حياة الناس وأمنهم واطمئنانهم من الزوائد التي ينبغي استئصالها. فجأة لم يعد بإمكان الناس في هذه البلاد التي يعيش أهلها غيبوبة اجتماعية منذ سنين أن يتجولوا داخل نفوسهم.. ومن كان بالأمس يصرخ كي يبقى على قيد الحياة، تراجع إلى الصمت وتلحف بالنسيان. بالأمس كان العربي يعمل من أجل تحصين سلامه المعيشي.. الآن يحلم فقط بوقف تلك القبضات التي تضرب على زجاج الأمة، الكل خائف من الاهتراء الذي يروي ببطء حكايته الآسنة.

الكل خائف من المستنقعات الإيديولوجية واللاهوتية التي تتجمع هنا وهناك كي تعيد الدورة القاتلة إلى مطحنة الحروب. الجميع يرتدون وجوههم الحديدية، ويغرزون سكاكينهم الصدئة داخل القلب، من دون أن يتركوا للبسطاء والمهانين والمذلّين بقوة الفقر والقمع والاستلاب حرية اختيار شكل نهاياتهم. هذا هو الخلاص العربي الذي يأتي متأخراً. يحدث هذا بينما " المعارضات" العربية تلعب دور المتاريس الخلفية للسلطة، وفي اللحظات الحاسمة تعمل في كنفها وتحت وصايتها، لنكتشف أن الأوراق والألوان والإيديولوجيات والأديان يمكن أن تخلط في مرجل واحد، لدرجة لا يعود بإمكاننا التفريق بين العلماني والأصولي، بين اليميني واليساري، بين الطائفي والوطني. هناك دائماً مشاجب جاهزة تعلق عليها المواقف والشعارات، وفي حالتنا العربية هذه المشاجب أكثر من أن تحصى. لقد اعتبر الكاتب الألماني بريخت أن أخطاء النظام هي أخطاء مجردة دائماً، حيث لا يبدو أن ثمة من ارتكب أخطاء ملموسة، ويبدو أن هذه "الحكمة" تتبناها "قوى التغيير" حيث يخدم هذا التبني مصالحها. هكذا تعلمنا المعارضات العربية أن لا شيء أقوى وأجدى من الانتهازية التي تنتظر لحظتها المقبلة. الانتهازية التي تغسل يديها من الماضي وفجائعه ناسبة إياه إلى أعمال القدر. صحيح أن هناك أخطاء كبيرة وكثيرة ارتكبتها وترتكبها الأنظمة العربية، وفي طليعة هذه الأخطاء خوفها من الديمقراطية والتعددية.. لكن الصحيح أيضاً أن "المعارضات" تخشى الديمقراطية أكثر من السلطة نفسها.. لا تعود هذه الديمقراطية الحلم تعنيها في شيء، خصوصاً حين تجد هذه "المعارضات" أنها مدرجة على قائمة السلطة للفوز بحصة..

الآن بالإمكان القول إن المعارضات والسلطة في سلة واحدة.. فهؤلاء الذين يصنعون تاريخنا الجديد هم في الحقيقة يعملون على دفعنا باتجاه موتنا القديم ويثأرون أحياناً من أفكارهم نفسها. دائماً تتحول شعارات الحرية والعدالة ومحاربة التخلف والتبعية إلى أحلام عضلية وإلى أفعال هجوم ضد أنفسنا. والسؤال كيف يواجه العقل العربي هذه الحقائق القاتلة.. وكيف نفسر أنه في دوامة هذه الانقلابات الخطرة التي تهدد وجودنا، بدأت طلائع الاستبداد والدعوة إلى الجمود والتحجر والتعصب الأكثر انغلاقاً وهياجاً وبدأت الصورة في بعض البلدان العربية تكشف عن حروب بين مستبدين قدامى ومستبَدين جدداً. كأن هذه الانقلابات تشبه الكوارث الطبيعية التي تكدس أنقاضاً فوق أنقاض. وإلّا كيف نفهم هذا الترويض للعقل، وهذا الاغتيال للعربي الضد. ألّا تقدم هذه العينات الطازجة من وجبات القمع والمصادرة والقتل صورة حية عن المستقبل الذي نصنعه؟ الخطر الذي يجابه المجتمع العربي، لا يرد إلى مصادر خارجية فحسب، إنه ينبع من داخلنا أيضاً. لقد أخفقت العلمانية في الوطن العربي على صعيدي الفكرة والتطبيق، وفي ظل هذا الاخفاق نشهد عودة محمومة إلى التراث والدين، وصعوداً كاسحاً للحركات الإسلامية... هذا الانسداد في نظامنا السياسي هو الذي يؤدي إلى نشوء هذه العصبوية المغلقة. دعونا نضع الأصبع على الجرح: لماذا أخفقت السياسات جميعها: اشتراكية الدولة، رأسمالية الدولة، القطاع العام، القطاع الخاص، الفكرة القومية، الفكرة العلمانية، ولماذا لم تستطع جميعها تلبية حاجات المجتمع المدني.

يطمح هذا الكتاب من خلال محاورة " الأخوة الأعداء" إلى تهيئة الأرض للقاء القوى الدينية والعلمانية بهدف وضع حد للقطيعة والغربة بين الأطراف التي تنادي بالتغيير. ذلك لأن استخدام العنف لا ينتج غير العنف، والاقصاء لا ينتج غير الاقصاء. فالتفاهم بين جميع القوى السياسية والروحية والاجتماعية على قواعد ومعايير واضحة هو التعويض المبدئي من انعدام الحريات الذي نعيشه منذ عقود. وأفضل وسيلة كي تميز القوى نفسها، هي الحوار، كي ينمو لديها وعي مشترك بماهية الرهانات الوطنية والقومية العليا، التي وحدها تعطي الشرعية والصدقية للأطراف كلها. لنحاول مرة الابتعاد عن منطق الاتهام والتآمر والتخوين والمناورة، فالخط الديمقراطي وحده بإمكانه إزاحة طبقات الغموض عن واقعنا.. خصوصاً أن الروحانيين يعترفون بوجود مأزق، والعلمانيين يعترفون بوجود أزمة.. وهذا الاعتراف هو الذي حرضنا على محاولة إيجاد صلة وصل بين الثوابت والمتغيرات. لقد حاولنا من خلال الحوارات التي يضمها كتاب "مأزق الديانات وأزمة العلمانية" أن نضيء على الخلافات والصراعات والتناقضات الدهرية بين المتدينين والعلمانيين، ولذلك حاورنا أبرز ممثلي الأديان أمثال: رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين، العلامة السيد محمد حسين فضل الله، العلامة السيد محمد حسن الأمين، المطران جورج خضر، المطران سليم بسترس.. إلخ

الصفحات