أنت هنا

قراءة كتاب مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

كتاب " مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا " ، تأليف حسين نصر الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

سماحة الإمام محمد مهدي شمس الدين

حوار السيف لا نوافق عليه وفي حوار الحياةحققنا أعظم النجاحات

الذين يرغبون بالزواج المدني عليهمأن يجردوا أنفسهم من المسيحية والإسلام

في زمن التناقضات ما بين عصر الحداثة وشيوع الثقافة العلمية وبين التراجعات السياسية والاستلاب الاقتصادي ورفض الديمقراطية، دخل الوطن العربي مرحلة جديدة من التجاذب والصراع بين قوى تقول إن المشكلة هي نمو التيارات الأصولية والسلفية التي تهدد الإنجازات التحديثية والعلمانية، ومن ورائها الدولة والنظام وفي هذا المعسكر تنضوي قوى اليسار والنخبة الاجتماعية والثقافية وبين قوى تنظر إلى المعركة على أنها معركة المقاومة الدينية والوطنية والأخلاقية ضد التيارات المرتدة والتي يجسدها ويشير إليها الأخذ بالفكرة العلمانية بوصفها مصدر النخبة السياسية وانحطاط الدولة وتدهور الأوضاع الاجتماعية. هذا الصراع مازال يتجذر يومياً من دون أن تبزغ في الآفاق أدنى إشارة للخروج منه، ويبدو أن الخاسر الوحيد في هذه المواجهة هو المجتمع العربي، فالخلافات تحسم بالحروب والدماء والحروب الأهلية وزيادة القهر، كأن المطلوب هو الإلغاء وليس التكامل. وهذا المنطق الإلغائي يقودنا إلى طريق مسدود ويضعنا مباشرة أمام حروب مفتوحة تدفع المجتمعات نحو التفكك والفوضى الشاملة، لنرى في المقابل أن هذه الأطراف المتنازعة التي ترفع شعارات التغيير السياسي والاجتماعي، سواء تلك التي تحاول احتكار استيعاب الثورة الصناعية وتحقيق الثورة التقنية والعلمية باسم الحداثة قد ساهما معاً في تفريغ الإنسان من أي قيمة وتحوَّلا إلى أداة لسحق المجتمع وتفكيكه وتدمير لحمته الداخلية. كأن التغيير يعني تبديل رجال برجال وليس إصلاح السياسات الفاسدة وعلاج الوباء الذي يفتك بالأمة. لا أحد من هؤلاء يلتفت إلى الواقع بقدر ما يجتهد لإضفاء شرعية على نهجه ونعت الآخر بالتعصب والعنف والظلامية، أو بالتبعية والإلحاد وتهديد الهوية. فالأول يقول بحتمياته والآخر يقول بثوابته ومنطلقاته. لكن أي واحد منهما لم ينجح بالانفتاح على الآخر، بل لاحظنا أننا إزاء جمود آخر يعمل وفق آلية ومنطق السلطان الأوحد ويساهم بهذا القدر أو ذاك في خلق نوع من الاستبدادية دينها وقانونها وشرعيتها الهيمنة والاقصاء. لا أحد يدرس الآخر من خلال تحليل برنامجه وأهدافه والقوى التي تقف وراءه والسياق الاجتماعي والسياسي الذي تعمل ضده، بل رأينا أن هذه الأطراف تتحرك وفق منهجية التدمير والإلغاء وإنكار شرعية المطالب المنادى بها من قبل هذا الأصولي أو ذاك العلماني. لقد تناست هذه الأطراف أن الاعتراف بهذه الحركة أو تلك لا يعني الإيمان بفكرها أو الانسجام معها، فالحركة الإسلامية لن يضيرها التشدد الأعمى ضدها وكذلك هو الحال بالنسبة للحركات العلمانية التي تستدر العطف من خلال ما تتعرض له من إقصاء وقهر من قبل الحركات الأصولية. إن هذا الإنكار المزدوج أعدم إعطاء أية فرصة للحوار وجعل من هذه الحركات مجرد أداة لتوظيف العنف وتمزيق النسيج الاجتماعي، لذلك لا يمكن الخروج من هذه الدوامة القاتلة إلا من خلال الحوار الديمقراطي بين القوى الاجتماعية والأهلية وليس بين السلطة القائمة والقوى التي تراهن على الواقع أو تدعي أنها تعمل لتغييره، وهذا يعني قبل أي شيء أن يستعيد المجتمع بكل قواه المبادرة التي انتزعت منه. إن هدف الحوار وقيمته هو في أن يعيد بناء الإجماع الوطني أو على الأقل أن يخلق الحد الأدنى من التفاهم الاجتماعي وإذا كان هذا الحوار لم ينجح حتى الآن فالسبب هو أن القوى الموجودة والمسيطرة أو التي تحاول السيطرة، تعمل لتحقيق مصالحها الخاصة أو تتحالف مع من يمكن أن يقاسمها هذه المصالح، حتى لو كان ذلك على حساب القاعدة العريضة(..) ثم ماذا عن الجزائر الدامية التي تترنح تحت ضربات المتطرفين، وتهتز وتتلاطم تحت ضربات الجيش. من يرفع الستار عن حقيقة ما يجري هنالك من تقاتل بين المسلمين أنفسهم.. الذين يعمِّمون الفاشية المطلقة وينتهكون الحرمات الإنسانية والوطنية " ببسالة" لم يشهدها تاريخنا الحديث. وكيف حدث أن سرقت من هذا البلد ذاكرته وأنكرت عليه هويته المتعددة. من يغذي وحش العنف هناك؟ وهل يقود هذا الدم النازف إلى رسم مجرى نهر الديمقراطية؟ وكيف بالإمكان إعادة الحياة إلى جزائر متصالحة مع نفسها وبناء سيرورة ديمقراطية حقيقية بعيداً عن لغة التخوين والتكفير، والوصول إلى مجتمع مدني حقيقي وإيجاد تعاون بين المنابر العامة الوطنية بحيث أن المواطنين من مختلف التيارات يشكلون رأياً عاماً حول القضايا عينها، ويستخدمون المقومات عينها على غرار ما يحصل في المجال العلمي، وكي يتكون مثل هذا الحيز للمناقشة، ينبغي أن يتم تجاوز حواجز التقاليد ونسيان الصراعات، خصوصاً أن التجارب التاريخية مبنية على خطوط انقطاع كبيرة: التعارض بين الأمبراطور والبابا.

الانقسام العلماني - الديني، كان عنصراً مهماً في انبعاث الحداثة على مرِّ العصور، ورأينا أن أوروبا قد نجحت في تجاوز هذه الانقسامات عبر مأسسة الصراعات، وفصل الكنيسة عن الدولة هو خير مثال على ذلك وكان عنصراً مؤسساً للتطور الدستوري الديمقراطي. وهذه التجربة في إدارة الصراعات علمتنا أن ننظر إلى العالم من وجهة نظر الآخر. فالذي نحتاج إليه في الجزائر، مثل ما نحتاج إليه في بقية الوطن العربي هو قاعدة اجتماعية في المجتمع المدني وحيِّز عام من أجل تأسيس ثقافة سياسية مشتركة.. من دون أن ننسى أن المقدس هو الذي افتتح مرحلة ما قبل التاريخ، وهذا ما يحاول " بعض العلمانيين" إنكاره أو إغفاله.. لذلك دعونا نبحر بين مختلف الرؤى عن العالم، والعثور على مناسبة للمقارنة المجددة في كل الأزمنة، التقاليد، الإلهي، الكون، الإنسان. هذه المقارنة هي توسيع للأفق واختبار للاختلافات التي تشكل غنى الانسانية. ودعونا نعترف بأن الدين ذو مغزى أساسي في المجتمعات كلها وفي كل العصور، وبشكل خاص في عصرنا.. ونحن لسنا ممن يعتقدون أن الأديان قد تصبح شكلاً ثقافياً متجاوزاً.. بل نعتقد أن الدين هو بعد أساسي للإنسان.. وإن الحداثة لن تفوز مع الخمود الديني. لقد بدا لنا لوهلة أن العالم والايديولوجيات قد حلت محل الدين. ورغم ذلك لم يختف الشعور الديني: لقد تغير.. لكن العلم لم يجب عن الأسئلة الكبيرة المهمة، وبرهنت الايديولوجيات أنها محدودة. لفترة اختفى الدين التقليدي.. لكنه عاود الظهور بأثواب أكثر تقليدية وحاول بعض المتدينين لعب دور الوسيط بين الفرد والله واغتالوا بذلك فسحة الصفاء التي يتمتع بها المؤمن في أثناء توجهه للخالق وكثر حراس الشفاه، مثلما كثرت الممنوعات والمحظورات..

لنرى أن الكوابح الاجتماعية قد أعدمت فرصاً كثيرة كان بإمكانها أن توفر للإنسان العربي حيزاً مقبولاً من الطمأنينة الفردية والاجتماعية. فتحولت بلدان هذه الأمة إلى نوادٍ للمنوعات.. لنرى أن المتشددين في هذا الطرف الديني أو ذلك الطرف العلماني قد أطبقوا بأصابعهم الغليظة على صدر المجتمع لتبدأ لعبة التصفيات الجهنمية بين التيارات والمذاهب والعقائد، ولندخل مجتمعين هذه المرة إلى مدار المأساة لتسود استراتيجية الفراغ وايديولوجيا الاستبداد..

الصفحات