أنت هنا

قراءة كتاب مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا

كتاب " مأزق الديانات وأزمة العلمانية - حوارات في الدين والدنيا " ، تأليف حسين نصر الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

كذلك حاورنا أبرز المثقفين والعلمانيين في الشرق العربي ومغربه. أمثال د. طيب تيزتني، د.صادق جلال العظم، د. نصر حامد أبو زيد، المفكر منح الصلح، د. برهان غليون، د. حسن حنفي، د. عبد الوهاب الميسيري.. إلخ. لقد ضمَّ الكتاب أكثر من 40 حواراً بعيداً عن استراتيجية الفراغ وايديولوجيا الاستبداد. وحاولنا من خلال هذه الحوارات الإضاءة على الانقسامات مبحرين بين مختلف الرؤى للعثور على منطلقات للمقارنة بين مواقف التيارات والقوى والحركات العلمانية والأصولية العربية. هذه المقارنة، هي توسيع للأفق واختبار للاختلافات التي تشكل غنى الإنسانية، منطلقين من يقيننا أن الدين ذو مغزى أساسي في المجتمعات كلها وفي كل العصور، وبشكل خاص في عصرنا.. لأننا لا نعتقد أن الأديان قد تصبح شكلاً ثقافياً متجاوزاً، بل نعتقد إن الدين هو بعد أساسي للإنسان، وأن الحداثة لن تفوز مع الخمود الديني. لقد بدا لنا لوهلة أن العلم والإيديولوجيات قد حلت محل الدين. وعلى الرغم من ذلك لم يختف الشعور الديني: لقد تغير.. لكن العلم لم يجب عن الأسئلة الكبيرة المهمة. وبرهنت الإيديولوجيات إنها محدودة. لفترة اختفى الدين التقليدي.. لكنه عاود الظهور بأثواب أكثر تقليدية وحاول بعض المتدينين لعب دور الوسيط بين الفرد والله، واغتالوا بذلك فسحة الصفاء التي يتمتع بها المؤمن في أثناء توجهه للخالق وكثر حراس الشفاه، مثلما كثرت الممنوعات والمحظورات، لنرى أن الكوابح الاجتماعية قد أعدمت فرصاً كثيرة كان بإمكانها أن توفر للإنسان العربي حيزاً مقبولاً من الطمأنينة الفردية والاجتماعية.. فتحولت بلدان العرب إلى نواد للممنوعات، لنرى أن المتشددين في هذا الطرف الديني أو ذلك الطرف العلماني قد أطبقوا بأصابعهم الغليظة على صدر المجتمع لتبدأ لعبة التصفيات بين التيارات والمذاهب والعقائد ولندخل مجتمعين هذه المرة في مدار الفراغ. هل يتحمل الدين مسؤولية الجرائم والمجازر التي تلف العالم؟ وهل يشكل الدين قوة بديلة عن التيارات والإيديولوجيات العلمانية؟ ما هو الموقف العلماني من الدين وهل تحول إلى أصولية جديدة..؟

أسئلة كثيرة تطاول واقع العرب في الصميم هي محور هذه المحاورات التي تغني بالدرجة نفسها الإنسان العربي والإنسان الأوروبي. ففي أوروبا غالباً ما يلام المثقفون ذوو الثقافة الإسلامية لأنهم لم يقاوموا بما فيه الكفاية التظاهرات العنيفة التي لا تطاق للإسلامية المناضلة والمتعصبة، والحقيقة أن المثقفين العلمانيين ليسوا لا مبالين إزاء ما يحدث ولا متواطئين، عبر صمتهم المفترض، عن تراجيديا تدور أحداثها على مرأى منهم في الجزائر وأفغانستان والسودان ومصر.. إلخ. وهؤلاء قد يصبحون أحد أهداف القتلة المتعصبين لإيديولوجيا توتاليتارية تستند إلى الإسلام. لقد اتخذت أزمة المثقفين العرب أبعاداً خطرة لأنها مرتبطة بالوضع السياسي لبلادهم. البعض منهم دفع حياته ثمناً لالتزامه بقيم مثل الديمقراطية وحرية الرأي والمعتقد. وآخرون عرفوا السجن والمنفى، وعلى الرغم من الأزمة وغياب الحرية في بعض الدول، يتابع المثقفون العرب عملهم، ينشرون ويسعون إلى الحوار. وهذا الكتاب الحواري«مأزق الديانات وأزمنة العلمانية» هو ثمرة المتابعة والسعي إلى رسم صورة واضحة عن العنف الذي يحرك داخلنا. فالكتاب يدين المتدينين والعلمانيين على حد سواء ويكشف عن أصولية مزدوجة تحرك كلا الطرفين. وفي حين تبرئ هذه الحوارات الاسلام والمسيحية كثقافة ودين من أي شبهة بربرية، لكنها تذهب إلى عمق الأمور، تذكرنا بالتاريخ وتستشهد بالنصوص، سواء كانت مقدسة أو صدرت عن مفكرين وفلاسفة كانوا ينتمون إلى دائرة الإسلام والمسيحية. إنها حوارات جدية، عميقة وموضوعية.. وتشكل مدخلاً للرد على العلاقات بين هذيانات الظلامية الدينية والاستبداد العلماني العربي. الحوارات تضيء على العلاقات بين الإسلام والتاريخ وتوضح لنا أن هذين الكيانين يرعيان علاقات واهية بما فيه الكفاية، كون التاريخ قد اعتبر مادة ثانوية بالنسبة إلى الفقه. لقد اعتبر المؤرخ في الإسلام بمثابة ضيف لامفر منه لكنه غير مرغوب فيه وربما مشكلات المخيلة العربية ناجمة عن ذلك، عن مبدأ الفرادة المرتبط بكل ما يمس الإسلام. هذا الأمر الذي شكل إحدى فقرات حواراتنا، يعطينا نظرة فقهية عن العالم والزمن، لأنه يجري الانطلاق من التقليد، ويعطي تفسيراً ميثولوجيا للواقع، عبر الاستناد إلى أقوال النبي محمد ومآثره، وعبر عدم المبالاة بأي اهتمام منهجي.. لأننا كنا باستمرار نجعل من كل مؤرخ فقيهاً، وهذا ما أفقد الأحداث التاريخية قيمتها وجعل التحليل النقدي صعباً إذا لم نقل مستحيلاً.لقد حاولنا تجاوز هذه الثغرة من خلال سؤالنا: إذا كان الإنسان قد خلق لهدف محدد، إذا لم يكن هناك من أمر غير متوقع، وإن كل شئ موجود في القرآن والحديث (أقوال النبي آنذاك يرد التاريخ إلى أمر ما متصور سلفاً). فإنه لا يمكننا الانضمام إلى عبارة المفكر الفرنسي «:التاريخ هو الطريق التي تقود إلى الحقيقة». إنه بالاحرى الطريق التي تعيدنا إلى الأصول، المقدس، إلى المتعذر تفسيره وإلى الصمت...

لقد تم التحقُق في العقود الأخيرة هذه، كم هم سكان الوطن العربي والإسلامي مرتبطون بالدين والبنى الحديثة للدولة عبر مطالبتهم بالديموقراطية واحترام التعددية وحقوق الإنسان. لكن العلماء (رجال الفقه ) قد أظهروا باستمرار معارضتهم هذه الرغبة في التطور ومعاصرة حداثة مستوعبة جداً. لم يقم الاسلاميون في السنين العشر الأخيرة هذه سوى في أدامة هذا الرفض لكل تطور. هذه المقاومة للتطور نجدها في الأديان كلها. لقد استخدم الإسلامَ أصوليون مختلفون لأن أنظمة معظم الدول المسلمة لا تستوعب هذه الحداثة التي تعني بالنسبة لها نهاية الاستبداد والخضوع لقوانين الديمقراطية. غالباً، أولئك الذين يريدون تغليب الدين على العلم، والعادة (العرف) على القانون والاعتراف بالفرد، لديهم مصالح سياسية (يرغبون) بالحفاظ عليها. ليس صدفة إذا كان إرهابيا الإسلاميين هما الغرب (رمز الحرية، الديمقراطية) والمرأة. إنهم ينسبون إلى النبي هذا الحديث: المصدر الوحيد للصراعات والفتنة الذي أتركه بعدي، للرجال، هن النساء". في الحقيقة، قلما يحس الأصوليون بالحاجة إلى تبرير أعمالهم بالنصوص.

نضيف إلى ذلك أيضاً أنها تعبير عن الجهل والكبت. غوته من قال " لا يوجد شيء مرعب أكثر من الجهل الفاعل " ونضيف: لا يوجد شيء أكثر رعباً من علمانية تشق طريقها لملاقاة العصر تحت راية الاستبداد.

حسين نصر الله

الصفحات