أنت هنا

قراءة كتاب نساء في مهب الحب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نساء في مهب الحب

نساء في مهب الحب

كتاب " نساء في مهب الحب " ، تأليف غيداء طالب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ووما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

وهطل المطر دون موعد... وجرفت سيوله دموعاً تساقطت غزيرةً على خديها، معلنةً قرب النهاية. كانت تلك المرة الأولى التي تقرأ فيها قصةً بدأها الكاتب بالنهاية مختزلاً كل البدايات، دون أن يعبأ بأدوار أبطالها وأدائهم، ولا بتتابع أحداثها وحبكتها... فكانت الأسوأ على الإطلاق...

حملتها قدماها فجأةً ورمتا بها عند أطراف البحيرة المجاورة، حيث يرابض الحنين، منزوع القوى. كانت في ذروة الحزن، ولا طاقة لها حتى على الشكوى فصمتت، والآهات تتصارع داخلها... راحت تحاكي الطيور سراً، وهي تحاول أن تفكر في سيناريو مناسب قد ينقذ غرورها الأنثوي، ويلملم ماء وجهها الذي سيريقه عن غير قصد، رفض فارسها المتوقع... ولكن، ما من أفكار واضحة في هذا الضباب المتزاحم أمامها. ربما عليها المبادرة بالهجوم، وإعلان عدم رغبتها في الارتباط به تفادياً للإحراج، فهذا أفضل الحلول حتى الآن. وسترى حينئذ إلى أين ستجرها حبال الأحاديث غير المتوقعة مع رجلٍ غير متوقع المزاج...

أما هو... فقد لاذ بصقيع غرفته، في ذلك الفندق المتواضع هرباً من نار تساؤلاتها الصامتة. كان يبحث في قاموس العواطف والمشاعر عن مفرداتٍ لإحساسه بها... عن تفسيرٍ لشعوره الغامض لحظة رآها. كان إحساساً غريباً بالنسبة إليه، لم يعرفه قط، ولم يستطع حل لغزه... هل كان فتوراً أم بروداً؟ هل كان خيبةً أم ندماً؟ هل كان شفقةً أم حرجاً؟ لم يجد الإجابة الشافية، ولكنه حتماً ليس الحب. كان على يقينٍ من ذلك... فللحب شرارةٌ لا يخطئها قلب، وعبقٌ يخترق كل مسامات الوجود، فلماذا لم يستنشق عبيره؟ ولماذا لم يشعر برغبة العشاق في احتضان معشوقهم عمراً، و تقبيله دهراً؟ لماذا لم ترتجف يداه لحظة صافحها، ولم يشتعل قلبه فرحاً أمام ابتسامتها؟ أسئلةٌ حائرة تحوم في فضاء أفكاره. ربما كانت أنثى الصفاء... امرأة أكثر براءةً مما اعتقد، أو أقل أنوثةً مما توقع... ربما كانت باذخة الخجل، مفرطةً في الهدوء حد الملل، أو ناصعة التفكير كطفلٍ صغير... وربما كانت تفتقد ذلك التوقد الذي يغري الرجال عادةً ويلهم أفكارهم، فيستفيضون بأحاديث مشتعلة، واعترافاتٍ ساخنة...

هي حتماً فتاةٌ من عالمٍ آخر، بعيدٍ تماماً عن مركز اهتمامه، ومختلفٍ كثيراً عن طبيعة محيطه. لم يفهم سر انجذابه الغريب لها على الهاتف، فيما هي في الواقع شيءٌ آخر. وهل يختلف إحساس المرء إلى هذا الحد بالأشخاص والأشياء من وراء حجبٍ …أو هاتف؟ تساءل كيف كان لإحساسه أن يكون لو أنه التقاها وجهاً لوجه قبل التعارف الهاتفي؟ هل كان سيرغب في الارتباط بها فعلاً؟ هل كان سيعيش وهم حبها؟

أفاق من أسئلته على واقعٍ مربك وهو أن عليه الاختيار بين طريقين كلاهما صعبٌ وشاق. فإما أن يستمر في ما بدأه معها عبر الهاتف ويرتبط بها فعلاً حتى يشاء الله أمراً كان مفعولاً، وإما أن يلوذ بالفرار، ويرمي بها في أتونٍ من عذابٍ ومرارة...

ألقى بأفكاره جانباً ورمى بنفسه فوق السرير مستسلماً لجحافل النوم القادم بزخم...

ترافقت ساعات المساء مع موجاتٍ من البرد العاصف والحزن الخانق. لم يتصل بها منذ وصوله إلى الفندق. فالتهمها الفضول... ماذا عساه أن يفعل الآن؟ هل ينام؟ كل هذا الوقت؟

كانت تنتظر هاتفه على أحر من الجمر، مع أنها لا تدري بأي وجهٍ ستقابله، ولا بأي كلامٍ ستبدأ حديثها معه. كانت تخشى أن تخذلها الجمل ويغلبها الحنين.

وعند التاسعة تماماً بتوقيت شوقها رن الهاتف، مثقلاً بسحب صوته. كان يبدو مبتهجاً، ومستمتعاً بحديثه معها. لم يُطل الكلام... كان في انتظارها على العشاء في مطعمٍ يتوقعه فاخراً بالقرب من الفندق. لم تسرف في تبرجها ولم تهدر الكثير من الوقت أمام مرآتها وألوانها. كانت ذخيرتها معطفاً أسود، وهو لونه المفضل، وبعض زخاتٍ من عطر «ديور» على جسدها وشعرها...

اقتربت منه وهو غارقٌ بين طرفي جريدة، ألقت التحية بهدوءٍ تام. خلعت معطفها وجلست قبالته، فاردةً أشواقها وابتساماتها... كان يفيض حيويةً ومرحاً وكأنه مخلوقٌ ليلي لا يصلح إلا للأوقات المسائية. تأملها بتفصيلٍ ممل، وصالت عيناه وجالتا في مساحة وجهها الصغير وملامحها الطفولية التي تختزن الكثير من البراءة. كانت تبحث في نظراته عن لهفةٍ ما، أو عن رغبةٍ ما... ربما كانت تستشعر دفئه بين حينٍ وآخر، وتصطدم بنكتةٍ هاربة بين جملةٍ وأخرى. ومع أن مزاجه بدا لها مختلفاً عما كان في الصباح، إلا أنها لم تحظَ بضالتها المنشودة في عينيه... ثمة بريقٌ لا تصدره سوى عيون عاشقة، وثمة احتراقٌ لا يشعر به سوى جسد ألهبه الغرام. وهي لم تلمح أي بريق في عينيه، ولم تلمس أي احتراق في كفيه، وكل الابتهاج الذي يضفيه حضوره على الجلسة لا يعدو أن يكون قناعاً يداري به شعوره بالخيبة. ومع ذلك تناولا العشاء معاً على وقع أخباره الساخرة، ونكاته المزروعة ألغاماً مخجلة. أربكها مرحه الذي لم تستطع أن تجاريه، واشتعال حضوره الذي كان يلتهم المكان برمته...

قارب الوقت منتصف الليل فأصبحت كسندريلّا، تطالع ساعتها وكأنها على عجلةٍ من أمرها. استعدت للمغادرة ببضع كلمات، فانسحبت يده فجأةً من علبةٍ مخملية صغيرة، وأخرجت خاتماً ذهبياً ينم عن ذوقٍ رفيع. لم يكن خاتم زواج طبعاً، بل عربون صداقة... قدم لها الهدية دون أن يلامس يدها ودون أن يرهق تنهداتها. فكان الخاتم مفاجأة السهرة ومسك الختام...

غادرته على عجل دون عناقٍ أو مصافحة، واصطفت النظرات فوق النظرات من شباك سيارتها وكأنها تقول له «استبقني قربك، لا رغبة لي في الرحيل بعيداً عنك، أريد أن أمضي الليل على إيقاع ضحكاتك، استبقني أرجوك...» ولكنه لم يقرأ سطور عينيها وتركها وحدها مع الليل، يتسامران كعاشقين ومضى...

كان طريق العودة إلى المنزل طويلاً على غير عادة، مليئاً بمطبات الألم والإحباط. لم تغادرها عيناه لحظةً واحدة، وكأنهما ارتسمتا في أحداقها... وعادت إلى منزلها، تجر أذيال الخيبة المرة. حاولت الاستسلام لوسادتها، لكن ابتسامته المزروعة في زوايا ذاكرتها أرقت نومها، وأيقظت أفكارها... حاولت أن تعثر على عبارةٍ في غمرة حديثه المتشعب، قد تعطيها أملاً حقيقياً أو توحي لها بشعور حبٍ متوارٍ خلف كلمات، ولكنها عادت فارغة اليدين... نظرت إلى صورته المعلقة أمامها على الحائط... كم تحبه، وكم يمعن في إيلامها... فانهمرت دموعها...

الصفحات