أنت هنا

قراءة كتاب دور الدين في المجتمع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دور الدين في المجتمع

دور الدين في المجتمع

كتاب " دور الدين في المجتمع " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 5

منذ القدم تضمنت الظاهرة الدينية نسقاً من القيم أصبحت في كل مجتمع المصدر الرئيس لمعايير السلوك السوي، وأصبحت المصدر الرئيس لثقافة المجتمع ولمختلف الأنشطة الثقافية. ولرجال الدين دور هام في نقل القيم الدينية لأفراد المجتمع لتصبح ضمن برامج التنشئة الاجتماعية التي تتولى تعليم أعضاء المجتمع الصغار والجدد أساليب التعامل مع بقية أعضاء المجتمع ابتداء من الجماعة الصغيرة الأولية (الأسرة) إلى بقية الجماعات الأكبر حجماً من الأسرة، ليتمكنوا من العيش في مجتمعهم فاعلين اجتماعيين. كما يتولى الكبار في المجتمع مهمة المحافظة على القيم الدينية ونقلها إلى صغار المجتمع. وبعد أن عرفت المجتمعات المدرسة أصبحت هذه المؤسسة من بين أهم المؤسسات التي تعمل على تربية الصغار، وعلى أن يتشرب الصغار قيم مجتمعهم، ودخلت فيما بعد وسائل الإعلام، ولا سيما المسموع أولاً ثم المرئي ثانياً، ساحة التعليم، وأصبحت من بين أهم مصادر التنشئة الاجتماعية. ويلاحظ خلال السنوات الأخيرة تكاثر المحطات الإذاعية والفضائيات المتخصصة في تقديم برامج تحمل معاني وعناوين دينية، وهي برامج لا تعكس بالضرورة ثوابت الدين الذي تمثله، بل تعكس تياراً في التراث الديني، لذلك توظف لخدمة أهداف معينة، والمدرسة الفكرية التي يتبناها المشرفون على المحطة.

يفرق بعض الدارسين من رجال الدين ومن غيرهم بين الأديان التوحيدية أو السماوية الأخرى التي عرفتها الشعوب القديمة في كل من إفريقية وآسية والأمريكتين وأسترالية، التي عرفتها جماعات يطلق عليها بدائية؛ لذلك يقصرون تعبير «الظاهرة الدينية» على تلك الأفكار التي بها شيء من المعتقدات وبعض أنماط السلوك وعرفها الإنسان القديم، ويقصرون كلمة دين على الأديان الثلاثة الرئيسة (فكار، 1980: 218). لكن إذا كان الحديث حول أنماط السلوك التي يؤديها الفرد بناء على إيمانه بدين فبالإمكان الحديث عن ظاهرة دينية. وأيضاً لكوننا نتحدث عن دور الدين في المجتمع، وعن العلاقات المتبادلة بين الفرد ونسق القيم بغض النظر عن مصادرها، ولا نتحدث عن معتقد ديني بعينه، فلن يكون للتمييز الذي يعتمد على الاعتراف بدين بعينه ويستبعد البقية أي معنى. مع أن الكثير من رجال الدين في أي من الأديان التوحيدية الكبرى لا يقبلون بتسمية الديانات القديمة ديانات.

ظهرت اليهودية ثم المسيحية فالإسلام، ويعترف الدين الإسلامي بجميع الأنبياء والرسل الذين جاء ذكرهم في الدين اليهودي وفي الدين المسيحي، ويعترف بسماوية الدينين، لكن لا يقول اليهودي العادي ولا المسيحي إن الدين الإسلامي دين سماوي.

تكتنف محاولة الحديث عن دور الدين في المجتمع ضرورة الجمع بين جميع الأديان التي عرفها البشر، إلا أن صعوبات كثيرة تعترض طريق القيام بمثل هذا العمل، لعل أهمها خطر الوقوع في التحيز، بسبب عدم توافر بيانات كاملة عن جميعها وبالقدر نفسه، لذلك تقرر لغرض البحث الحالي حصر كلمة دين في الديانات الرئيسة الثلاث أولاً لقوة صلتها بعضها ببعض من حيث مكان النشأة وطبيعة النصوص. وثانياً لأنها هي المسيطرة من حيث الانتشار في المجال الجغرافي للثقافات الرئيسة. وثالثاً لوجودها، وخصوصاً بالنسبة إلى المسيحية والإسلام، في المجتمعات التي تسودها ديانات أخرى، وغياب الديانات الأخرى عن المجتمعات التي بها أغلبية مسيحية أو إسلامية. ورابعاً لوجود الجماعات والتنظيمات الدينية التي سيرد الحديث عنها في هذا البحث، وتوافر المعلومات عنها في الأدبيات المكتوبة، وفي وسائل الإعلام.

المهتمون بالحديث عن دور الدين في المجتمع كثر، وينتمون إلى خلفيات ومدارس مختلفة، لذلك يتخذون زوايا مختلفة ينظرون من خلالها للدين من حيث المفهوم والمكانة والدور. فبعض الذين قاموا بأبحاث في هذا المجال رجال دين. وكان هؤلاء في كل دين بغض النظر عن تصنيفه، وخلال مختلف العصور. جرت العادة أن يضع الواحد من هؤلاء حدوداً لبحثه ونقاشه على شكل ضوابط لا يجوز تجاوزها، تتمثل في ثوابت العقيدة وشروط الإيمان بحسب كل دين. ففي الديانات السماوية يتم الالتزام بأن الدين جاء من السماء عن طريق وحي نزل على نبي، وكل ما فيه لخير البشرية. وعليه فأقصى ما يمكن أن يقوم به باحث هو الاجتهاد في شرح وتفسير النصوص، وتتبع شروح وتفسيرات الآخرين، والمقارنة بين مختلف الاجتهادات، والتعليق على الكيفية التي قدم بها المجتهد اجتهاده.

يفترض أن الشرح والتعليق يتم - نظرياً على الأقل - بالنظر للنصوص الأصلية؛ أي ثوابت الدين. لكن، وفي بعض الحالات، لا يوجد اتفاق تام على حرفية النصوص الأصلية، وما يعرف بالكتاب المقدس بالنسبة إلى دين من الأديان عبارة عن تجميع لكتابات أعدها أشخاص مختلفون، وفي أزمنة مختلفة، لذلك يجد الباحث المدقق اختلافات وتناقضات يتصل بعضها بأهم القضايا الرئيسة. حدث هذا بالنسبة إلى التوراة مثلاً، أو ما يعرف عند المسيحيين بالعهد القديم، ولم يحدث الشيء نفسه بالنسبة إلى الإسلام فيما يتعلق بنصوص القرآن، ففي هذه الحالة لا يوجد خلاف على جميع ما يحتويه. لكن الذي حدث أن كل دين تخصص فيه منتسبون له في قضاياه، وأخذوا على أنفسهم مهمة تفسير النصوص، وتعليم الآخرين قضايا دينهم، بناء على التفسير الذي توصلوا إليه، أو توصل إليه آخرون تتلمذوا على أيديهم. النتيجة المباشرة لمثل هذا النشاط ظهور تفاسير كثيرة ومتنوعة، انتظم بعضها ليأخذ شكل تيار رئيس أطلق عليه فيما بعد اسم مذهب ديني أو طائفة دينية، وبمرور الزمن تراكم تراث يضم التفاسير والاجتهادات والتعليقات والكتابات، لذلك يضطر القادم الجديد لهذا الميدان إلى التعامل مع هذا التراث. ويحدث في حالات كثيرة أن يحصل التراث على جل الاهتمام، ويظهر وكأنه المحتوى الأساسي للدين. ويظهر الاتجاه الجديد أو الطريقة الجديدة أو التفسير الجديد وكأنه يمثل عودة إلى الجذور، وبعبارة أخرى: التفسير الجديد هو التفسير الوحيد الصحيح، وعلى الجميع اتباع هذا التفسير الجديد، وبلغت حدة التعصب لبعض مثل هذه الآراء إلى حد تكفير كل من لا يقبل به.

نشط المفسرون منذ العصر الأول لظهور كل من الديانات السماوية، ونجح بعضهم في تطوير وتفسير خاص به، ثم نجح في الحصول على عدد من التابعين والمؤيدين، وبذلك نشأت الفرق الدينية التي ترسخ بعضها ليصل إلى مستوى المذهب الديني. وعلى مر الزمن توسعت الخلافات بين المذاهب في داخل الدين الواحد، بحيث وصلت في بعض الحالات إلى مستوى الحروب الدينية.

الصفحات