أنت هنا

قراءة كتاب الرأي الآخر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصفحة رقم: 9

رحلة إلى أرض العم سام (4) :حـُرِّيـة مُقنَّنـة

الاثنين 15 ديسمبر 2008

الحُرِّية الأمريكية ليست هي تلك الحُرِّية المُطلقة المُتخيَّلَة لدى البعض، فأنت في أمريكا مُراقَب من كلِّ مَن حولك، في بيتك وهاتفك وسيارتك وتحرُّكاتك وسكناتك وإيميلاتك، لا خصوصية فردية، فالمعلومات لابد أن تتوفر للأجهزة المعنية مهما صغُرت أو كبُرت فهي مشاع.

أعتبر أن المواطن الأمريكي إنسان على هامش الحياة، يجسِّد حالته الفيلم الكرتوني "Wally" الذي يمثِّل حياة أناس هربوا من قنبلةٍ ذريةٍ فأخذتهم غواصةٌ إلى عالمٍ آخرٍ في مكانٍ ما من الكون وظلَّ الترابط بينهم عن طريق أجهزة الكمبيوتر ولكن كلُّ واحدٍ منهم يعيش في معزلٍ عن الآخرين، فالشعب الأمريكي مُبرمَج جسديًّا وعقليًّا وليس لديهم أدنى اعتراض، منشغلين في حياتهم، كلُّ همهم في هذه الحياة الدنيا الحصول على المال فيعملون ويعملون لينصرف هذا المال بعد ذلك في الترفيه والتسلية، وأصبح كثيرٌ مِنَّا ينزلق إلى الهُوَّة نفسها، فهو الإعلام ولا شيء إلَّا الإعلام، خصوصًا بعد أن أصبحتْ أجهزة استقبالنا الفكرية والوجدانية مُوجَّهة لكلِّ ترددٍ أمريكيٍّ تستقبله بوضوحٍ لا مثيل له، والكارثة أن أجهزتنا أصابها العطب فلم تعد تستقبل أو تقلب بحثًا عن أية قنوات أخرى تحمل فكرًا مغايرًا، يُصدِّرون لنا البرامج الحوارية التي تصحبها دعاية وعناوين برَّاقة لمناقشة المشكلات والفضفضة التي تحوَّلت إلى كشف الستر حتى ما بين العبد وربه، ويقدمونها لنا على أنها أيقونات إعلامية مقدسة، في حين أن هؤلاء الذين تنقل لنا تلفزيوناتنا العربية برامجهم على أنهم مُصلحي هذا العصر هم مُلاحَقون قانونيًّا وقضائيًّا في أمريكا وتُعلِّق فضائحهم الجرائد الشعبية يوميًّا.

لا ألوم بعد ذلك شابًّا من شبابنا أو أيًّا من فتياتنا وهي تقلِّد النموذج الأمريكي طالما أن قنواتنا العربية تدفع الملايين لتروِّج لهذه البرامج وتنقل لنا الإعلام الأمريكي ليبث سمومه اللاواقعية في بلادنا على طبقٍ من فضةٍ، في خارطةٍ إعلاميةٍ أمريكيةٍ مُحكَمة الصُّنع إلَّا مَن رحم ربي ووعى لما يحثه عليه دينه، ونحن في تقليدنا لا نقلِّد سوى ما ينقله لنا الإعلام من إبهارٍ لتلك الحياة الزائفة، إعلام لا ينقل همجية وقذارة الشعب الأمريكي ولكنه إعلام التغييب، يغيِّبَنا عن الحقيقة بوهم الممثل الأمريكي وحياة الترف الأمريكي، يريدون أن يبيعونا ما ليس لديهم من ثقافةٍ وحريةٍ وديمقراطيةٍ وخدمات وبنية تحتية، في حين أن الإنسان هناك لا قيمة له إلَّا إذا كانت محفظته مُتخَمة بالدولارات والبطاقات الائتمانية.

وللحديث بقية...

الصفحات