أنت هنا

قراءة كتاب الرأي الآخر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10

رحلة إلى أرض العم سام (5) :لا أثر لعرب أمريكا

الاثنين 22 ديسمبر 2008

بدأ تأثير المُنغِّصات السابقة على أفراد رحلتنا جميعًا، لدرجة أن ابني الصغير طالبني بالعودة إلى بريطانيا أو أي مكانٍ آخرٍ في العالم غير أمريكا، طفح بنا الكيل من التقزُّز الذي تعجُّ به الحياة الأمريكية، وزاد الحنين لأي شيءٍ يحمل الرائحة العربية، فوصلنا إلى قريةٍ عالميةٍ مُصغَّرة داخل مدينة ديزني تمثِّل هذه القرية دول العالم كلَّه بما يميزه من مباني أو أطعمة أو تراث، وفي القرية لا يتم تعريف العرب إلَّا من خلال "المغرب" وحتى هذه لا يوجد داخلها أي شيءٍ من المغرب، حيث يوجد ركنٌ صغيرٌ وليس مبنى كسائر المباني الأخرى، وداخل هذا الركن تجد مُجسَّمات للجِمال باعتبار أن الجمل الرمز الأوحد للعرب، ويتبعه الرقص الشرقي والصاجات والعود!! هذه الرموز هي التي تعبِّر عن الثقافة والحضارة العربية الإسلامية في أورلاندو.

حاولنا أن نجد أي ملمحٍ عربيٍّ أو إسلاميٍّ فلم نجد سوى أناس ضاعت هويتهم، فلا هم أمريكان ولا هم عرب.

واختتمتُ رحلتي إلى أورلاندو بحالةٍ من الاشمئزاز والتفكُّر في ذات الوقت فيما رأيته في رحلتي التي كشفت عورات أمريكا، بلد لا يوجد فيها شيءٌ من المحلية ولا سِمة تصبغها وتميِّزها عن أي مكانٍ آخرٍ، وجوه مسطحة لا تكاد تتعرف إليها حتى تنساها، فأورلاندو بلد سياحي؛ أو بمعنى آخر محطة عبور، ولكن أهلها لا يعرفون عن السياحة شيئًا ولا يجيدون فنون التعامل السياحي، كلُّ مَن فيه يعيش بشكلٍ مؤقتٍ، ولا يعرفون بعضهم البعض وليست لديهم حتى نية التعارف، خليطٌ من شعوب وقبائل فقيرة تشكِّل موجةً جديدةً لعبيدٍ من نوعٍ آخرٍ، وبأسلوبٍ جديدٍ، حيث المعاشات قليلة جدًّا وعمل شاق مقابل التصريح لهم بدخول "أمريكا".

كيف لي بعد ذلك أن أحترم وأقدِّس ثقافةً تتعارض في جوهرها وكلِّ صورها ومظاهرها مع ديننا الحنيف بكلِّ جوانبه، شعبٌ بلا تراث أو حضارة أو دين.. وأنا لا أنتقد الشعب الأمريكي فهو حُرٌّ فيما يرتضيه لنفسه من حياةٍ، ولكن كلمتي إلى المجتمع السعودي بشبابه وشاباته ورجاله ونسائه، فالدِّين حياة والدِّين المعاملة، وليس شعارات، ممارستنا الحقيقية للدين هي المناعة التي نواجه بها العالم ونُعلّم باقي الأمم كيف يكون الإنسان إنسانًا مُكرَّمًا كما أراد له الله سبحانه وتعالى }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ {( {[1]). فالكرامة الإنسانية ليست بقيادة المرأة للسيارة، ولا بممارسة الحريات الشخصية بدون حدودٍ أو ضوابطٍ، حريتي التي تنتهي عند بداية حرية الآخر، ففي مفهوم الثقافة الأمريكية لا توجد الرحمة أو الاحترام، وكلمة "الأنا" طاغية عندهم بشدةٍ حتى المؤسسات الخيرية يذهب ثلاثة أرباع ريعها للمستثمرين والمؤسسين؛ لذلك فإن الجشع يطال حتى الأعمال الخيرية هناك.

وللأسف إن مثل هذه المفاهيم والانبهار بأمريكا تتغلغل في مجتمعنا كالسرطان خاصة في أبناء الطبقات الميسورة الذين هم عُرضة للغرق في بحر عولمتها بشكلٍ أسرع من غيرهم.

ولأن لكلِّ شيءٍ صدى، فصدى التأثير الإعلامي أصبح واضحًا ثقافيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، ففي الوقت الذي لا يمكن فيه إنكار التقدُّم العلمي والطبي والبحثي والتكنولوجي المذهل، والذي لا نجد له أي تصديرٍ لدول العالم الآخر، نجدها دولة مُصدِّرة للآفات الاجتماعية، وكما هو معلوم قدسيتهم للعمل ولكن ليس كقيمةٍ وإعمارٍ للأرض ولكن العمل كمَصدر للمال وتكريس للحياة المادية، أطفالهم مُرفَّهين لا يعرفون إلَّا الأخذ، مراهقيهم متمردين على كلِّ شيءٍ في الحياة.

كيف نحن كشعبٍ عربيٍّ مسلمٍ تَشرَّف بهبوط الوحي الإلهي بأرضه ننزلق إلى هذا التقليد الأعمى لمجتمعٍ لا يُمثِّل أي صنفٍ من الديمقراطية أو الحرية الإنسانية واحترام الإنسان كقيمةٍ؟

وللحديث بقية..........

الصفحات