أنت هنا

قراءة كتاب فلسفات الحياة الثلاث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فلسفات الحياة الثلاث

فلسفات الحياة الثلاث

كتاب " فلسفات الحياة الثلاث " ، تأليف بيتر كريفت ، والذي صدر عن دار اوفير للطباعة والنشر والتوزيع ، نقرأ نب

تقييمك:
1
Average: 1 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

مُقارنةً بالعقاقير السرِّيَّة الأنيقة الصَّغيرة لعقولنا المُتاجِرة بالرَّاحة، تلك التي لا تكاد تُساوي جَرَّةَ قَلَم أو نُقطةً على حرف، سِفرُ الجامعة عظيمٌ وعميقٌ ومُرَوِّع مِثلَ المُحيط. ولو كان هذا الفيلسوفُ عائشًا اليوم وعرفَ الفلسفة السائدة في أميركا، السيكولوجيا الشعبيَّة، بما فيها من مُلاطفاتٍ إيجابيَّة، وكثرةِ تعبيرٍ عن المُوافَقة والاستِحسان، ومُصادَقاتٍ ذاتيَّة نَرجِسيَّة، وسَمسَراتٍ ورعايات، وطمأناتٍ لطيفة يُكرَّر فيها القول ‘‘سلامٌ! سلام’’ في حينَ لا سلام، لاستَشهَدَ (الفيلسوفُ)- على ما أعتقِد- بقَول جون ستيوارت مِل (John Stuart Mill) إنَّه أفضَلُ أن يكونَ واحِدُنا سُقراطًا مُستاءً من أن يكونَ مُستَهتِرًا راضيًا؛ وبقَول وِليَم باريت (William Barrett): ‘‘أن يُواجِهَ المرءُ وُجودَه الذاتيَّ بيأسٍ خيرٌ من ألَّا يواجِهَه أبدًا’’.

لقد حُسب الجامعةُ أعظمَ كتابٍ كُتِبَ على الإطلاق في نظر تشاؤميِّين مُتحمِّسين ولاأدريِّين أقلقَهمُ الله، مِثل هِرمان مَلڤيل (Herman Melville)، إذ قال في الفصل السابع والتِّسعين من رِوايته ‘‘مُوبي دِك’’ (Moby Dick) إنَّ ‘‘أصدقَ الكُتُب جميعًا هو سِفرُ الجامعة’’. ويقول ثوماس وُلف (Thomas Wolfe)، في الفصل السابع والأربعين من روايته الكلاسيكيَّة الأميركيَّة ‘‘لا يُمكِنك الرُّجوعُ إلى الدِّيار ثانيةً’’ (You Can’t Go Home Again):

بينَ كُلِّ ما رأيتهُ أو تعلَّمتُه على الإطلاق، يبدو لي ذلك السِّفرُ أقوى تعبيرٍ عن حياة الإنسان على هذه الأرض وأنبلَ تعبيرٍ وأحكمَه، وأيضًا أسمى زهرةِ شِعرٍ وبلاغةٍ وحقيقة. لستُ ميَّالًا إلى إصدار الأحكام الجازمة في شأن الإبداع الأدبيّ، ولكنْ إذا كان لا بُدَّ لي من إصدار حُكمٍ واحد، يُمكِنني فقط أن أقول إنَّ الجامعة هو أعظَمُ عَمَلٍ مكتوبٍ منفردٍ عَرَفتُه على الإطلاق، والحكمة المُعَبَّر عنها فيه هي الأكثرُ بقاءً وعُمقًا.

إنْ فاتَنا أن نجدَ شيئًا يُثبِتُ هذا الحُكم عندما نقرأ الجامعة أوَّلَ مرَّة، يحسنُ بنا أن نقرأه مرَّةً ثانية. فلا بُدَّ لنا إمَّا أن نستبعدَ بشهامةٍ حُكمَ العمالِقة، وإمَّا أن نتسلَّق أكتافهم ونُلقيَ نظرةً أُخرى. أفَما يبدو مُرجَّحًا على الأقلِّ أنَّ القَزَم، لا العِملاق، هو مَن يُخطئ استِشرافَ التَّضاريس؟

لي صديقٌ يُخيِّم في غابات ماين كُلَّ صيف. وذاتَ يومٍ التقى ناسِكًا كبيرَ السِّنِّ ظلَّ يعيش بمعزِل عن ‘‘المَدَنيَّة’’ طوالَ أربعين سنة. وقد بدا له حكيمًا فوق العادة (على الأقلِّ أحكمَ من العَلمانيِّين في الحضارة الغربيَّة، وإنْ لم يكُن أحكمَ من مسيحيٍّ حقيقيّ). ولمَّا سألَه صديقي عن المصدر الذي منه أخذ حِكمتَه، سحبَ من جيبه الكِتابَ الوحيد الذي ما يزالُ لديه على مدى أربعين سنة، فإذا به نُسخةٌ صفراء مُهَلهَلة من سفر الجامعة- فقط سِفر الجامعة. إنَّ ذلك الكتابَ الواحدَ ما يزالُ كافيًا عنده. ولرُبَّما كانت ‘‘المدنيَّة’’ عديمةَ الحكمة جدًّا؛ لأنْ ليس أيُّ شيءٍ كافِيًا عندها أبدًا. لقد بقيَ الناسِكُ الشَّيخ في مكانٍ واحد طبيعيًّا وروحيًّا، واستكشفَ أعماقه؛ أمَّا المَدَنيَّة فمضَتْ تتقدَّم دون قرار، مُنزَلِقةً فوقَ سَطحِ الأعماق العظيمة. وبينما كانت المدنيَّة تقرأ ‘‘مجلَّة التايمز’’ [وتعني اليوميَّات]، كان هو يقرأ الأبَديَّات.

الصفحات