You are here

قراءة كتاب نساء على المفارق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نساء على المفارق

نساء على المفارق

في كتاب "نساء على المفارق" للكاتبة والإعلامية الفلسطينية ليلى الأطرش، تحدثت ليلى الاطرش عن ثمانية نساء قابلتهن في اثناء تجاولاتها ورحلاتها الصحفية ، تعددت الحكايات عن نساد اما مكافحات او منهن من كان مصهوراً من قبل مجتمع وتقاليد وضحايا لاعتداءات من انواع متع

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
تخيلت مدينة يجللها سواد الدخان، يسرق زرقة أنهارها، ويمحو خضرة غاباتها، ومبانيها كابية·
 
وحين تجولت فيها، اقتنعت أكثر بأثر الفكرة الأولى على الفكر الجمعي، فحين يطال الاتهام شخصا أو قضية، وتُنْشَر في صحافة أو وسيلة إعلامية أو تصبح قضية رأي عام، ثم تثبت براءة الشخص وخطأ الاتهام وبطلان ما قيل، تبقى التهمة راسخة، وقلما يعتني أحد بنشرها·· هي رغبة الناس في قصص وفضائح غير عادية، وقليلون اهتموا بتغيير رأي كان لهم، عن مدينة جميلة تابت وتطهرت·
 
تأسست بتسبرغ عام 1 7 5 8، وقتلوها في عصر الصناعة، وحاولوا إنقاذها في عام 2 7 9 1·
 
صحبتني مريم عبد الدايم مع صديقاتها إلى الإنكلين، يتوقف القطار على القمة، نطل على بانوراما المدينة·· جبالها وأنهارها الثلاثة وجسورها ومتنزهها والنافورة الوردية الضخمة·
 
تحدثني مريم بينما نشرب القهوة في مقاهي وسط المدينة·· ودودة صادقة مندفعة وبريئة، ممشوقة القوام كغزال إفريقي هارب في توجس مما حوله·· وكل ما حولنا يُذكِّر بمدن الأفلام الأمريكية القديمة، حين يدفع رجال الكاوبوي أبوابا بأرجلهم، ثم يطلون شاهرين مسدساتهم من بيوت وحانات تشبهها، شوارع وعمارات وأزقة تنم عن أن كل شيء هنا بدأ صغيرا كأحلام المهاجرين، وقبل أن يتوحش ويمتد·
 
تبوح مريم الجميلة، عن حيرتها في أن تبقى ذاتها في مدينة الحرية، أو تصبح كصديقاتها الجدد، أن تقبل قناعات ثقافة ومجتمع غريب فتتمرد على تعاليم تربت عليها وحملتها معها·
 
يقف الله بين مريم وانطلاق تَوَدُّه، ويمنعها خوفها منه أن تترك قلبها الشاب يخفق لأحد، فتغلقه دون نبض كثيرا ما يبدأ فتئده، وتصم أذنيها دون همسات الإعجاب، وترد بلطف أو عنف دعوات الزملاء، وتحتمي بصديقاتها، فهي تخشى من علاقة قبل الزواج تغضب الله، فهو لها بالمرصاد، شديد العقاب، ويعلم ما في الصدور·
 
يُمضي والدها ساعات يقرأ لها آيات عن عذاب القبر والنار المُعَدَّة للخطاءين وأصحاب الذنوب، ليعيد خطوة لها - ربما - تنحرف عن خط رسمه لابنة يحبها، ويخشى عليها من نار جهنم وبئس المصير·
 
شابة جميلة وحائرة بين أن تقتنع بأن حريتها أمر شخصي محض، فتقبل قناعات غربية وتتمرد على امتلاك والدها لأمرها، أو تظل كاميرونية رغم أمريكا، تنتظر أيام عودتها إلى حضن أمها وحنانها، ثم ترتبط بشاب من بلدها وتقاليدها لن يقبل بماض لها·
 
تخيف مريم فكرة الحب والزواج·· تخشى أن تعشق في بتسبرغ فيُرتَّب لها زواج في بلدها، وتقلقها فكرة الفشل في أي منهما·· تطفئ حرارة مشاعرها قبل أن تدفأ، ولم تسمح لقلبها الفتي أن يتجاوز الإعجاب· تحذره من حب وعلاقة أمريكية قد تجمح مطالبها، أو تضع فيها حدودا لا يفهمها الآخرون·· فتردُّ عيون المعجبين وتغلق قلبها دون خفقانه لئلا تتعذب·· ومريم لا تخفي انفصامها حول الحب والعلاقة العاطفية، بين تقاليد حملتها من الوسط الغربي من القارة السمراء، وبين مجتمع حر لا يقيم وزنا لكل ما يكبل انطلاقها ورغبتها في الانعتاق من خوفها·· من الله والأب والكاميرون·
 
تعني كاميرون بلاد الحجارة الكريمة·· وهي الماضي والمستقبل لصبية تبحث عن التميز، ينتظر والدها المحامي تفوقها ليزين به تاريخ النساء في عائلة الثروة، بالعلم والمنصب الحكومي الرفيع·· يمطرها باتصالاته لعل في أجوبتها ما يطمئنه· أب خائف صيَّر حياتها تقريرا يوميا، يضخ في عقلها ما يسمعه من الفضائيات الدينية، يحثها أن تتقوقع وتغلق شرنقتها على تقاليد تربت عليها، وتعاليم يستقيها من تأويل الدعاة والوعاظ، فتحتار أكثر، ومريم تحب صديقاتها الأمريكيات، ومعجبة بثقتهن بأنفسهن، ودودات ومجدات في الحياة والعلم، مخلصات ويعرفن الوفاء، ويفعلن ما يُؤْمنَّ به بلا رقابة، وتوقف دور الآباء في حياتهن عند حدود ما يُعْتبَر حرية شخصية·
 
تصارع مريم تناقض الثقافتين بينما تعيش مرحلة تشكل الوعي وانتهال العلم في بتسبرغ·
 
مريم من شرق ياوندي عاصمة الكاميرون، جدها تاجر من قبيلة زنجية عريقة من مدينة دوالا أكبر مدن الكاميرون، انتقل إلى العاصمة حين مرق على عادات قبيلته، وتزوج امرأة غريبة من إثيوبيا، بهره جمالها ودقة ملامحها وطولها الفارع·· وحملها ليدخل بها بين أهله، ثم خرج في الصباح بمنديله الملوث بدم بكارتها·· قَرعَت القبيلة طبولها يوما كاملا، طهروا عذرية فتاة غريبة تهامست القريبات عن احتمال فقدانها، في ماض وعادات وظروف وبلاد بعيدة تركت فيها أسرارها·
 
وما زال العرف الكاميروني في قرع الطبول صباح ليلة الدخلة ساريا·· ولأن الرجل الكاميروني يقبل الزواج أحيانا بامرأة فقدت بكارتها، فمهرها أقل، تُقرع الطبول للعذراوات أكثر وأعلى، وكلما زادت الشكوك حول فتاة تُقرع طبولها أطول، ثم يُعرض منديل تَلَوَّن بدماء بكارتها على الملأ، وتُعْلَن براءتُها رسميا·
 
وتعرف مريم أنهم سيقرعون الطبول أياما لعذريتها، فهي شابة، مسلمة، تغربت وعاشت وحدها في أمريكا، وستحتاج إثبات براءة وطبول أعلى وأطول مدة، ولن يحميها أنها في أعلى السلم الاجتماعي، أو مكانة عائلتها المالية·
 
انتقلت ملامح جدة مريم الدقيقة إلى أولادها، وحققت غرض زوجها في تحسين نسله·· وحين تزوج أبناؤه من قريبات أمهم اختفت ملامح القبيلة الأصل، واتسم الجيل الثالث بجمال هجين·

Pages