You are here

قراءة كتاب نساء على المفارق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نساء على المفارق

نساء على المفارق

في كتاب "نساء على المفارق" للكاتبة والإعلامية الفلسطينية ليلى الأطرش، تحدثت ليلى الاطرش عن ثمانية نساء قابلتهن في اثناء تجاولاتها ورحلاتها الصحفية ، تعددت الحكايات عن نساد اما مكافحات او منهن من كان مصهوراً من قبل مجتمع وتقاليد وضحايا لاعتداءات من انواع متع

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
كان جرحا عميقا طريا كَشَفتْهُ أمامنا، يكسو الغضب والرفض وجهها الجميل وهي تستعيد إهانة لم تستطع ردها، وجرحا للكرامة والأنوثة في واقعة تعرضت لها في أكبر مجمع تجاري في ياوندي·· فبدأت تتحسب العودة إلى الكاميرون خوفا من تعصب وسلفية تجتاحان مجتمعها منذ سنوات، وبعد أن ظل منفتحا قابلا لتعددية نشأت عليها·
 
يتزايد النشّالون في أسواق ياوندي وشوارعها قبل مواسم الأعياد وإجازات الجامعات، دست مريم نقودها في حمالة صدرها وهي ترافق صديقاتها إلى السوق، فقد تمتد في زحمة الأجساد يد ونصل بخفة عجيبة تمزق الجيوب، وتقطع أصابع تتزين بالحلي، وتشطب صدرا أو عنقا لتسرق من عليه سلسلة، ثم تختفي في تدافع المشترين وسرعة عدوها·
 
دست مريم يدها وسحبت نقودها·· أشاح المحاسب بوجهه وتعوذ من الشيطان الرجيم مستغفرا ربه مرات، ثم رفض لمس نقودها ثمنا لما اشترته، وطالبها أن تدفع بنقود أخرى أو تُرْجِع ما اختارته، فلن يلمس نقودا تدنست بجسد امرأة غريبة، فهو إن فعل فكأنما يلمس المرأة ذاتها، وهذا خطيئة وحرام·
 
رفعت مريم صوتها محتجة، فثار المحاسب هائجا على امرأة تتجاوز حدودها بمهاجمته، وترفع صوتها العورة على قوامته، وأصر أنه لن يلمس نقودا سحبتها من صدر مكشوف دست فيه يدها أمام الناس·· وتحلق المشترون وتذمر طابور الدافعين·
 
تبكي مريم بالقهر والإهانة والعيون تتابعها، وتقسم إنها كانت تلبس قميصا بأكمام طويلة تصر عليه في أمريكا، وتصايحت صديقاتها، حضر مدير المحل، تناقش مع موظف الصندوق في الحرام والحلال، هدده بالطرد فترك المحاسب مقعده بلا تردد، فالجنة خير وأبقى من الدنيا الفانية، ولن يفيده العمل حين يُصلى بنار جهنم ويُخلَّد فيها·
 
احتار المدير·
 
جلس مكانه وحاسب مريم على ما اشترت، والزبائن تراقب بين مؤيد أو رافض·· ودموع قهرها تغطي وجهها·
 
سألتها : لماذا لم تلق بما انتقته في وجهه وتخرج؟
 
فاجأ تجربتها الصغيرة ما نسيته في إحراجها، وهي لم تعتد بعد ما يعنيه أن يرفض أحدهم مصافحة امرأة أكثر منه علما ومعرفة، وربما خلقا، لأنها له مجرد أنثى·
 
مريم لا تستطيع البقاء والعمل في أمريكا، سيتحطم قلب والدها، وقد يؤثر على مستقبل شقيقاتها، ولا بد لها من زواج كاميروني يثبت عذرية صمدت في الغرب وقاومت انحلاله، وستقرع الطبول طويلا بعد ليلة زواجها الأولى لتجلو ما تعلق بغربتها·
 
قفزت صورة مريم بعد أسبوع من لقائنا ونحن نشارك في ندوة أدبية في نادي الجالية السودانية في مدينة أيوا، مدينة الثقافة الأمريكية، أقيمت لتكريم الشاعر الروائي الدكتور طارق الطيب، السوداني النمساوي، والروائية المصرية أمينة زيدان، وشاعرة سودانية أمريكية وأنا·
 
قلت ردا على سؤال عن أثر الفضائيات العربية إنها عمقت الإحساس الإثني والتقاليد والموروث الثقافي بين المهاجرين· وإن الفتيات يعانين الانفصام بشكل أكثر وضوحا في مجتمعات يختارها الآباء لهجرتهم، ويتجاذبهن الاختلاف الشديد بين ثقافة بيت وأسرة تستعيد جذورها وهويتها، ومجتمع ومدرسة ينظران بريبة إلى أفكار المهاجرين حول مفهوم حرية المرأة وحدودها· والمشكلة أن يختار الآباء الهجرة إلى مجتمعات يرفضون ثقافتها، ثم يفرضون على البنات العيش في محميات، سياجها عقول وتقاليد وفكر أوطان هاجروا منها لأسباب مختلفة· ويشتد الانفصام والضغوط على بعضهن، بين تعاليم تحثها وتجبرها على التقوقع وتخيفها بالعذاب والنار، وبين سخرية الزملاء في المدارس والجامعات، والاتهام بعقل متعصب يمتهن المرأة ويتزوج أربعة ويضطهد الحريم·
 
هذا التمزق بين الآباء والأبناء أدى إلى 165 جريمة شرف في بريطانيا بين مسلمي باكستان وبنغلاديش تحديدا في عام 2006·
 
هب أحدهم محتجا بأنه جاء لسماع الشعر والأدب، وأن ما أقوله قلة أدب ويجب أن أعتذر عنه·
 
ردت الدكتورة خالدة بأن الفكر السلفي ضيَّق حياتهم في الأوطان، وهو يلاحقهم حتى في أمريكا· وقد كثر من جاؤوا إلى بلاد الكفار للمحافظة على الجالية المسلمة وبناتها، وتعزيز الإيمان وضمان عدم تأثره بالفكر الغربي، وكان هذا أحدهم كما قيل لي·
 
اعتذر الحاضرون وأسكتوا المتدخل، فهم يعرفون أن التوازن النفسي لأية ديانة أو مسلمات أو موروث ثقافي واجتماعي يتطلب الكثير من الجهد في مجتمعات الاغتراب وبين الأقليات·
 
لهذا يعيش المهاجرون في تجمعات يحتمون بها· وكل غريب للغريب نسيب· ليس المسلمون وحدهم بل من كل عرق ودين·
 
مريم الكاميرونية هي أول ما يقفز إلى الخاطر كلما تذكرت عربيا مهاجرا وأولاده· أو دار الحديث حول احتمال لقاء الشرق والغرب في نظرته إلى النساء، وأنهما قادران على تجاوز الخصوصية الثقافية والدينية بينهما·

Pages