أنت هنا

قراءة كتاب اصوات مراكش

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اصوات مراكش

اصوات مراكش

رواية "أصوات مراكش" أقرب إلى معمار موسيقي شديد الرهافة والدقة والجبروت في آن معاً. ونحن على امتداد صفحاته نجد أنفسنا حيال ثلاث حركات متمايزة ومتناغمة تجسِّد روح العمل.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
وجهاً لوجه مع الإبل
 
مرات ثلاث التقيت بالإبل، وانتهى كل لقاء على نحو مأساوي·
 
قال صديقي، بعد وقت قصير من وصولي إلى مراكش:
 
- لا بد أن أريك سوق الإبل، في صباح كل خميس ينعقد قرب السور، على مقربة من باب الخميس، أي في الجانب الآخر من المدينة، من الأفضل أن أمضي بك في سيارتي إلى هناك·
 
حل يوم الخميس، فانطلقنا بالسيارة إلى هناك، كنا قد بدأنا رحلتنا متأخرين، وحينما بلغنا الميدان الفسيح، الممتد قرب سور المدينة، كان النهار قد انتصف، لاح الميدان خالياً على وجه التقريب· في الطرف البعيد، على بعد حوالي مائتي ياردة من حيث وقفنا، انتصب جمع من الناس، لكننا لم نلمح بعيراً واحداً· كانت الدواب التي عكف عليها هذا الجمع هي الحمير، وكانت المدينة حافلة بها على أي حال، فهي تحمل الأثقال، وتساء معاملتها، وكنا يقيناً أبعد الناس عن الرغبة في مشاهدة المزيد منها· قال صديقي:
 
- تأخرنا كثيراً، انفض سوق الجمال·
 
انطلق بالسيارة إلى قلب الميدان، لإقناعي بأن ليس هناك المزيد مما يمكن أن نشاهده·
 
لكننا، قبل أن يقف، لمحنا جمعاً من الناس ينفرط عقده· وسط الجمع انتصب بعير، متوازناً على أخفاف ثلاثة؛ إذ كان قائمه الرابع موثقاً· التفت حول خطمه كمامة حمراء، تدلى حبل متوسطاً منخريه، راح رجل يقف على مبعدة، يحاول المضي بالدابة بعيداً· كان البعير يمضي قليلاً إلى الإمام، لكنه سرعان ما يقف، يشب فجأة في الهواء على أخفافه الثلاثة، بدت حركاته مفاجئة مثلما هي مخاتلة· في كل مرة كان الرجل الذي يقوده يتراجع، فقد كان يخشى الاقتراب منه، وقد فارقه اليقين مما يمكن أن يحدث بعد قليل، لكنه كان يحكم جذب الحبل كرة أخرى، بعد كل مفاجأة، فأفلح شيئاً فشيئاً في المضي بالدابة في اتجاه محدد· 
 
توقفنا، أحكمنا غلق نوافذ السيارة، فقد تحلقنا صبية من المتسولين، علت على أصواتهم وهم يتكففوننا جعجعة البعير· في إحدى المرات وثب جانباً، في عنف بالغ، حتى إن الرجل الذي كان يقتاده أفلت منه الحبل، ابتعد النظارة، الذين وقفوا على مبعدة يرقبون المشهد· أثقل الخوف الهواء حول البعير، كان الشطر الأعظم ينبعث من الدابة ذاتها· سايره الرجل هوناً، التقط الحبل الذي تدلى على الأرض، وثب البعير في الهواء، متنحياً جانباً بحركة حادة، لكنه لم ينطلق من عقاله مرة أخرى، فاقتاده الرجل بعيداً·

الصفحات