رواية "أصوات مراكش" أقرب إلى معمار موسيقي شديد الرهافة والدقة والجبروت في آن معاً. ونحن على امتداد صفحاته نجد أنفسنا حيال ثلاث حركات متمايزة ومتناغمة تجسِّد روح العمل.
أنت هنا
قراءة كتاب اصوات مراكش
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 7
ظهر رجل لم نكن قد لمحناه قبلاً، خلف الأطفال الذين تحلقوا سيارتنا، نحاهم جانباً، بفرنسية متعثرة أوضح لنا الأمر:
- البعير أصابه داء الكلب، هو خطير، يمضون به إلى المجزر، على المرء أن يكون حذراً جداً·
ارتسم الجد على ملامحه، وبين كل جملة في حديثه كانت جعجعة البعير تترامى إلينا···
أعربنا له عن شكرنا، مضينا بالسيارة محزونين، تخلل الحديث عن البعير المصاب بالكلب حوارنا خلال الأيام التالية، فقد أثرت فينا بعمق حركاته اليائسة، كنا قد مضينا إلى السوق متوقعين أن نرى المئات من الإبل الهادئة الخانعة· لكننا لم نلق في هذا الميدان الفسيح إلا بعيراً واحداً بقوائم ثلاثة، محتجزاً، يحيا الساعة الأخيرة من عمره، انطلقنا نحو البعير فيما هو يدافع عن حياته·
بعد أيام عدة، كنا نمر بموضع آخر من المدينة· ضرب المساء أطنابه، شرع الوهج القاني في التراجع عن سور المدينة· أبقيت السور في مدى الرؤية، مبتهجاً بالتغير الذي يعتري لونه تدريجاً· ثم لمحت في ظلال السور قافلة ضخمة من الإبل، أنيخ معظمها، فيما انتصب الباقي واقفاً في موضعه· كان رجال يعتمرون العمائم يمضون جيئة وذهاباً وسطها، منشغلين بمهامهم، ملتزمين الهدوء رغم ذلك· ارتسمت أمامنا لوحة للسلام والشفق، امتزجت ألوان الإبل بلون السور· ترجلنا من السيارة، سرنا وسط الإبل بدورنا· أنيخت في جماعات، يضم كل منها اثني عشر بعيراً، أو يزيد، تحلقت أكواماً كالهضاب من العلف، راحت تهطع بأعناقها، مجتذبة العلف إلى أشداقها، تتراجع برؤوسها، وتعمل أضراسها فيه طحناً في هدوء· راقبناها عن كثب· الحق أقول لكم إن لها وجوهاً، بدت جميعها سواسية، مع ذلك فقد كانت متباينة تماماً، تذكر المرء بجمع من السيدات الإنجليزيات، اللاتي تقدم بهن العمر، وقد عكفن على شرب أقداح الشاي معاً، يتحلين بالكبرياء، يتظاهرن بالضجر، لكنهن عاجزات تماماً عن إخفاء الخبث، الذي يرقبن به كل ما حولهن· قال صديقي الإنجليزي حينما أشرت بلباقة إلى هذا الشبه بنساء بلاده: