أنت هنا

قراءة كتاب وحدها شجرة الرمان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وحدها شجرة الرمان

وحدها شجرة الرمان

تنفتح رواية "وحدها شجرة الرمان" للكاتب العراقي سنان انطون؛ الصادرة عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، بسردية حكائية بسيطة تفاجئك احياناً بانعطافاتها إلى صور حلمية فنتازية، متقطّعة بحسب خطوات السيناريو السينمائي، على مشهديات الموت الذي يلتهم قلب بغداد الم

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
استيقظتُ لاهثاً ومبللا بالعرق· مسحتُ جبهتي ووجهي· نفس الكابوس يتكرر منذ أسابيع مع بعض التغييرات الطفيفة· أحياناً أرى رأسها المقطوع على الدكّة وأسمع صوتها يقول: غسّلني حبيبي· لكن هذه أول مرّة يكون فيها مطر· أعرف مصدره الآن، فقد تسلل من الخارج هذه الليلة· سمعت صوتَ تساقطه على زجاج النافذة بجانب سريري· نظرت إلى ساعتي وكانت الثالثة والنصف صباحاً· لم أنم أكثر من ثلاث ساعات بعد يوم طويل ومرهق· ممزّق بين الأرق وبين هذا الكابوس الذي لم أحاول تفسيره أو فهم دلالاته· لكنه يلح علي· لعلّه الموت يضحك علىّ ويقول لي: ظننتَ أنّك تستطيع أن تهرب منّي أيها الأحمق؟ 
 
لا يكتفي الموت مني في اليقظة ويصرّ على أن يلاحقني حتى في منامي· ألا يكفيه أنني أكدّ طوال النهار معتنياً بضيوفه الأبديين وبتحضيرهم للنوم في أحضانه؟ هل يعاقبني لأنني ظننت بأنّي كنت قادراً على الهرب من براثنه؟ لو كان أبي حيّاً لسخر منّي ومن أفكاري وما كان سيسميه دلعاً لا يليق بالرجال· ألم يمض هو عقوداً طويلة في مهنته يوماً بعد يوم دون أن يشتكي مرّة من الموت؟ ولكن الموت في تلك السنين كان مُقِلاً وخفراً بالمقارنة مع موت هذه الأيام الذي أدمن علينا حتى كأنّ هوساً قد أصابه· لكن قد يكون البشر - والرجال بالذات طبعاً- هم الذين أدمنوه حين تسنّى لهم أن ينادموه بلا رقيب ليل نهار؟ أكاد أسمع الموت يقول: أنا أنا، لم أتغيّر أبداً· لستُ إلا ساعي بريد· 
 
إذا كان الموت ساعي بريد فأنا واحد من الذين يتسلّمون رسائله كل يوم· أنا من يخرجها برفق من ظروفها الممزقة المدماة· وأنا الذي يغسلها ويزيل منها طوابع الموت ويجفّفها ويعطّرها متمتماً بما لا يؤمن به تماماً ثم يلفّها بعناية بالأبيض كي تصل بسلام إلى قارئها الأخير: القبر·
 
لكن الرسائل تتراكم كل يوم يا أبي! أضعاف ما كان يمر عليك حتى في أسبوع كامل يمر علي في يوم أو إثنين· هل كنتَ ستقول بأنها إرادة الله وبأنه القدر لو كنت حيّاً؟ ليتك كنت هنا كي أترك الوالدة معك وأهرب بدون أن يلاحقني شعور بالذنب· أنت كنت مسلّحاً، لا بل مدججاً، بالإيمان الذي كان يحمي قلبك ويجعله قلعة منيعة على قمة جبل· أما أنا، فقلبي بيت مهجور، شبابيكه مكسورة وأبوابه مخلوعة تعبث به الأشباح وتتنزّه فيه الريح· 
 
بحثتُ عن الوسادة الثانية التي تعوّدت أن أضعها فوق رأسي منذ صغري كي لا أسمع أي صوت· كانت قد سقطت على الأرض بجانب السرير بالقرب من نعليّ· حملتها ودفنت رأسي تحتها وحاولت أن أسترجع حصّتي من الليل· لكنّ صورة ريم وهي تُسْحب من شعرها ظلت تعاودني· ما الذي تفعله هي في هذا السيناريو؟ هل هي الأمل الكاذب أم الذنب أم أنها الماضي الذي سيُقطَع رأسه هو الآخر بعد أن مات الحاضر؟ أو قد تكون النساء اللواتي قرأت عن أخبار اغتصابهن وقتلهن ويحرّم على شرعاً أن أغسلهن؟
 
لم تكن ريم تلعب أي دور رئيسي في كوابيسي حتى قبل اسبوعين· تُرى أين هي الآن؟ آخر ما سمعته عنها قبل سنين كان بأنها في أمستردام· ربما أبحث عنها في الغوغل من جديد بعد العمل غداً في مقهى الانترنت· سأجرّب تهجئة مختلفة لحروف اسمها بالانكليزية علّني أجد شيئاً· لكن هل لي أن أنام ساعة أو ساعتين؟

الصفحات