أنت هنا

قراءة كتاب وحدها شجرة الرمان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وحدها شجرة الرمان

وحدها شجرة الرمان

تنفتح رواية "وحدها شجرة الرمان" للكاتب العراقي سنان انطون؛ الصادرة عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، بسردية حكائية بسيطة تفاجئك احياناً بانعطافاتها إلى صور حلمية فنتازية، متقطّعة بحسب خطوات السيناريو السينمائي، على مشهديات الموت الذي يلتهم قلب بغداد الم

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
اقترب أبي من يمين الدكة وأزاح الشرشف عن الجثة فبرز وجه ممتقع وعينان مسبلتان لرجل بدا في نهايات الخمسينيات· شعرت بضيق في صدري وبخوف· كانت هذه أول مرة أرى فيها إنساناً ميتاً عن كثب· مات جدي عندما كنت في الخامسة لكنهم لم يسمحوا لي بأن أرى وجهه أو جثته· هذا هو ما يفعله الموت إذاً· كان أشيب الشعر والشارب، الذي كان ناعماً بعكس ذقنه التي بدا أنها لم تحلق لأيام· اقترب حمّودي من الجهة اليسرى للدكّة ورفع أبي الجزء العلوي من الجثة ليسحب حمودي الشرشف من تحتها وكذا الشيء ذاته مع الجزء السفلي وأعطى الشرشف للأخ الأكبر الذي ظل واقفاً· كان على جسد الرجل فانيلة بيضاء وبنطلون رمادي و كانت القدمان حافيتين· وكانت قبضتا يديه منكمشتين بعض الشيء· أمسك أبي باليمني ليفتحها بلين وفعل حمّودي الشيء ذاته باليسرى· جرداه من ثيابه حتى بقي السروال الداخلي الأبيض الذي غطاه أبي بقطعة قماش بيضاء ناوله إيّاها حمّودي ثم أزال السروال الداخلي مع إبقاء القماشة فوق الميت من السرّة وحتى أعلى الفخذين· ونزعه عن قدميه وناوله لحمّودي· طوى حمّودي الملابس ووضعها في كيس وسأل الأخ الواقف إن كان يريدها فأخذها· كان أبي يعطي الملابس التي لا يريدها الأقارب للفقراء· ذهب أبي نحو الحوض ونزع نعليه وتناول صدرية بيضاء، من المشمّع، كانت معلّقة على مسمار إلى يساره وارتداها فغطت صدره وجسمه حتى ركبتيه· وربط الشريط خلف ظهره وأخذ قطعة الصابون المكعبة، ثم شمّر عن ساعديه وفتح حنفية الماء وأخذ يُصوبن يديه وذراعيه حتّى المرفقين ثم غسلهما بالماء وكرر ذلك مرّتين أخريين· وبينما كان يجفف يديه وذراعيه بمنشفة كان حمودي قد وضع أحد الطشوت تحت الحنفية الثانية وأدارها فنزل الماء بقوة· أخرج كيسين من الدولاب وضع أحدهما على طاولة الدولاب و أخذ الثاني ونثر بعضاً مما فيه في الماء الذي أخذ يتجمع في الطشت· فاحت رائحة السدر التي كنت أشمها على أبي عند عودته إلى البيت· 
 
اقترب أبي من الدكة من جهتها اليمنى وقال بصوت خفيض: بسم الله الرحمن الرحيم· يارب عفوكَ عفوكَ· هذا بدن عبدك المؤمن قد أخرجتَ روحه وفرّقتَ بينهما، فعفوك عفوك· وبدأ يمسح بطن الميت برفق براحته لكي يتأكّد من خروج كل شيء· وضع حمودي تختاً على مقربة من الدكّة ليكي يكون الطشت الذي سيضعه عليه في متناول يد أبي ووضع الطشت الذي امتلأ بالماء عليه ثم وضع قليلاً من السدر فيه· وضع طاسة معدنية فيه سمعتُ صوت ارتطامها بسطح الماء· أخذ أبي الطاسة وملأها بالماء ثم أشار إلى حمّودي الذي وضع قليلاً من السدر المطحون على رأس الميّت وبدأ يغسل شعر الرجل ويفرك رأسه برغوة السدر· بعد أن غسل الرأس ساعده حمودي في قلب الرجل على جانبه وهو يقول عفوك عفوك وبدأ يغسل الجانب الأيمن· بدأ بالرأس ثم غسل الجانب الأيمن من وجهه، ثم رقبته وكتفه وذراعه وكفه· ثم صدره وبطنه· وكان يواصل صب الماء ويمرر يده على جسد الميّت ويردّد عفوك عفوك عندما وصل إلى أسفل بطنه غسل عورته دون أن يزيل الخرقة التي فوقها، ثم باشر بالفخذ ونزل حتى وصل إلى أصابع قدمه اليمنى· كان أبي يغسل براحته المفتوحة بنعومة· بعدها أعادا الميت على ظهره ودار أبي إلى الجانب الآخر و قلباه إلى الجانب الآخر لغسل الجانب الأيسر·كرر أبي العملية بنفس الدقة من الرأس وحتى وصل إلى أخمص قدمه اليسرى· كان حمّودي قد أعاد ملأ طشت آخر ووقف ينتظر أن يفرغ الأول كي يضعه محله· اتجّه أبي إلى الحوض وغسّل يديه وذراعيه حتى المرفقين بعد أن أنتهي من غسل الميت للمرة الأولى· تبللت الأرض حول الدكّة لكن معظم الماء المدلوق كان يتجمّع في الحفيْرة ويسيل نحو الحديقة الصغيرة· أخرج حمّودي كيس الكافور من الدولاب وفرك بأصابعه مكعبين ثم أضاف المسحوق إلى طشت كان قد ملأه بالماء· مسح أبي مرة أخرى برفق بطن الميت ثم بدأ يغسّل الجانب الأيمن من رأسه بالماء المخلوط بالكافور وكرّر رحلته حتى أخمص قدمه اليمنى ثم انتقل إلى الجانب الأيسر من الرأس· غسّل أبي يديه ثانية حتى المرفقين بعد أن انتهي من الغسلة الثانية· الغسلة الثالثة والأخيرة لم يسبقها مسح البطن وكانت بالماء وحده بلا سدر أو كافور·كان أبي يخفض عينيه وهو يغسّل حتّى يبدو أحياناً وكأنّه هو الآخر نائم، لكن يديه كانتا تفركان بنشاط وبقوّة ولكن بلا قسوة· اتجه أبي بهدوء بعدها إلى الحنفيّة السفلى وغسل يديه إلى المنكبين و رجليه إلى الركبتين ثلاث مرّات ثم جفّف نفسه بمنشفة ناوله إياها حمّودي· ثم أخذ منشفة بيضاء من الدولاب وجفّف بها جسد الرجل بعناية وتلقّفها حمّودي بعد أن انتهى ليأخذها إلى المخزن·

الصفحات