أنت هنا

قراءة كتاب وحدها شجرة الرمان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وحدها شجرة الرمان

وحدها شجرة الرمان

تنفتح رواية "وحدها شجرة الرمان" للكاتب العراقي سنان انطون؛ الصادرة عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، بسردية حكائية بسيطة تفاجئك احياناً بانعطافاتها إلى صور حلمية فنتازية، متقطّعة بحسب خطوات السيناريو السينمائي، على مشهديات الموت الذي يلتهم قلب بغداد الم

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
4
 
كنت، ككل الأطفال، شديد الفضول وألحّ على أبي بالسؤال عن تفاصيل عمله، لكنه كان يكتفي بالقول بأنّه سيقول لي كل شيء وبأنّني سأرافقه إلى عمله عندما أكبر ويحين الوقت بَعَدْ وَكِت··· ركّز على دراستك هسّه· كان كل هذا الغموض الذي يكتنف مهنته والمحل يزيد من رغبتي في معرفة ما يدور داخله· أمّوري كان قد بدأ الذهاب إلى المحل عندما كان في الخامسة عشرة ليعاونه وبدأ بالغسل في الثامنة عشرة، لكن أبي لم يكن يسمح لي بالدخول إلى محله أثناء عمله وكان يحب أن يظل الشغل في محل الشغل والبيت للعائلة· عندما كنت أسأل أمّوري عن تفاصيل العمل لم يكن يستفيض في إجاباته وكان يقول لي بأنها ليست لعبة وأن هذه أمور تخص الكبار وأنني ما زلت طفلاً· 
 
في عطلة الصيف التي أعقبت امتحانات الصف الثالث المتوسط قال لي أبي ذات يوم بأنّ بأمكاني أن أرافقه إلى العمل لأراقب وأتعلم أصول المهنة وقواعدها· فرحت يومها كثيراً· شعرتُ بشيء من الرهبة و أنا أقف خلف أبي أمام عتبة المحل· حوّل الصفرطاس الذي كان يحمله من يده اليمنى إلى اليسرى و أدخل يده اليمنى في جيب بنطلونه ليبحث عن المفتاح· كانت السماء صافية بلا غيوم· لفت انتباهي عدم وجود قطعة تشير إلى المكان أو تدل عليه وعندما سألت أبي عن ذلك قال لي بألّا حاجة لقطعة لأنه ليس دكاناً أو محلّا تجاريّاً· وأضاف وهو يضع المفتاح في القفل ويديره بأن الكل يعرف أين المغيسل، فهو الوحيد للشيعة في بغداد، والأغلبية الساحقة موجودة في النجف· قالها بفخر وأضاف بأن الكاظميّة كلها تعرفه·كان المكان أصغر بعض الشيء مما تخيلته منذ وقوفي أمام بابه مع أمي قبل ذلك بسنين طويلة· فاحت رائحة السدر والكافور وأحسست برطوبة الهواء تتسلل إلى جلدي· سدّ أبي الباب وراءنا وتقدّمني إلى الداخل· أول ما وقعت عليه عيناي بعد أن قطعنا الممر ودخلنا الغرفة الرئيسية كانت دكة المرمر التي يُغْسل عليها الموتى والتي يرتفع طرفها الشمالي قليلاً، حيث يوضع الرأس، كي يسيل الماء وكيلا يتجمّع· كان عمر المكان أكثر من ستة عقود وعملتْ فيه أجيال من عائلتنا وعمل فيه جدي الذي مات قبل أن أولد· كانت الجدران والسقف مطلية بلون أبيض مائل إلى الصفرة، لكن الزمن والرطوبة كانا قد جعلا بعض المواضع، خصوصاً في السقف، تتقشّر وتبدو كأوراق خريفيّة على وشك السقوط· توسطت السقف مروحة بدأت تدور بعد أن فتح أبي الزر على الجدار· نظرت إلى اليمين وكانت هناك التوابيت التي يؤتى بها من الوقف وقد صفّت في الزاوية· وفوقها بمسافة نافذة متوسطة الحجم أعلى الجدار تسمح لأشعة الشمس بإضاءة المكان· كانت حزمة ضوء مائلة قد تسلّلت وتركت بقعة على الأرض فالتمع الكاشي المشجّر الذي رصفت به الأرضيّة· لكن النافذة لم تكن بمستوى الناظر وكانت تترك الزوايا معتمة بعض الشيء لكنها تسمح برؤية كِسرة من السماء· كانت المروحة السقفية القديمة في منتصف السقف ترسم، في ساعات معينة واعتمادا على الزاوية وأشعة الشمس، أجنحة ترفرف على الحائط المقابل· تحت النافذة كان هناك باب يؤدي إلى حديقة صغيرة فيها شجرة الرمّان التي كان أبي يحبّها كثيراً وبجانبه مصطبة يجلس عليها أحياناً أقرباء الميت وهم ينتظرون ويراقبون· في الجهة الشمالية على بعد مترين من الدكة كان هناك حوض أبيض كبير تعلوه حنفية ماء نحاسية اللون اصطفّت تحتها طاسات نحاسية وسرّاحية ودلاء وأجّانات معدنية· كان أبي يرفض رفضا قاطعاً استخدام البلاستيك الذي أصبح شائعاً· إلى أسفل يسار الحوض كانت هناك حنفية أخرى وأمامها تخت خشبي صغير مثل الذي كنّا نستخدمه في الحمام للجلوس أثناء الاستحمام· إلى يمين الحوض كان هناك دولاب كبير بأبواب زجاجية عرفت فيما بعد أنه كان يحوي أكياس السدر والكافور والقَمْحة والأكفان والقطن والصابون· 
 
 كانت الدكّة مستطيلة و الأرض حولها محاطة بحفيرة هي ساقية صغيرة مبطنة بالكاشي الأبيض تتحول إلى مجرى صغير يأخذ الماء إلى الحديقة الصغيرة التي تجاور المكان لا إلى البالوعة كي لا يختلط ماء الغسل مع مياه المجاري· في الزاوية اليسرى يتفرّع ممر قصير يؤدى إلى الحمام و إلى مخزن صغير· على الجدار الغربي لوحة بإطار خشبي سميك خُطّ عليها {كل نفس ذائقة الموت} بالخط الديواني وتحتها باب خشبي يفضي إلى غرفة صغيرة مجاورة كان أبي يجلس فيها معظم الوقت· كان كرسيان خشبيان قديمان يتوسطان الغرفة بينهما طاولة صغيرة· لم يكن في الغرفة إلا شباك واحد علّقت بجانبه صورة للإمام علي·

الصفحات