أنت هنا

قراءة كتاب مدينة الله

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مدينة الله

مدينة الله

  "مدينة الله" رواية الروائي والقاص الفلسطيني الدكتور حسن حمي، عن منشورات المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، ومن غير القدس يمكن أن تكون مدينة الله؟!

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
تنهض العربة ثم تنهض صعوداً·· فتتبدى جمهرة من الناس، وبعض المظلات المخططة، والمحلات الخشبية الصغيرة الملونة، فيلتفت الحوذي نحوي، ويهتف فرحاً، هي ذي المغارة· وصلنا·· قلت معاتباً: وصلنا إليها، ولم تحدثني عنها· قال: المعرفة الحقّة لا تحتاج إلى تعريف· قلت: كان لابدّ من تمهيد؛ من عتبات· قال، وقد راح يتخيّر مكاناً فسيحاً لوقوف العربة: لذة الاكتشاف كامنة في الحدس· قلت: لكن··، قال مقاطعاً: عدل من الجوز المقشر لا يساوي حبة جوز واحدة تكسرها بيديك، وتستخرج ما فيها، قلت ونظري معلق على المغارة: يبدو أنها وسيعة· قال: ستدهش! اهبط·
 
فهبطت، وهبط هو أيضاً، وسكنت العربة خلف الحصان الأشهب الذي أدخل رأسه في عليقة كتانية طويلة أدارها الحوذي جو نحوه، وتعالى صخب الناس من حولنا وسط الساحة الصغيرة التي تتقدم مدخل المغارة· هزّني من ذراعي، وقال لي: هيّا، فتبعته، وأنا أسوي حقيبتي فوق ظهري· بدا نشيطاً، مثل طائر الماء، وكأنه ظفر بي صيداً كي يريني المغارة·· مشيت وإياه، وسط الناس، يقودنا درب فضي نحو باب المغارة التي يعلوها تلٌ يحاول أن يكون جبلاٌ صغيراً ·· نثيث من رذاذ المطر الربيعي الخفيف يهمي فوقنا فيبعث الانتباه والصحو فينا· أيد كثيرة تمد نحونا أوراقاً، وكراسات صغيرة ملونة لعلها تحتوي تعريفات بالمغارة، أنظر إليها على عجل، فأدرك أنها مطبوعات دعاية تعرف بالفنادق، والحمامات، والمطاعم، ومكاتب السيارات، وأمكنة اللهو والسهر·· أقلبّها، فلا أجد فيها شيئاً عن المغارة··
 
فجأة تغيب الأشجار تتوارى، ويبدو باب المغارة المقوس الوسيع، وتتبدى الأضواء الذهبية البهّارة، ويبدو شبان وشابات في ملابس موحدة، نظيفة، وملونة·· يهمهمون بأنهم أدلاء المغارة، أحاول الوقوف عند أحدهم، لكن يد الحوذي جو تسحبني، فتمحو تلبثي، أسمعه يقول لي: تعال أنا أحسن دليل لهذه المغارة·· فأتبعه باسماً· الفتاة الطويلة صاحبة الجديلتين الشقراوين التي ظنت بأنني سأكلمها·· نظرت بازدراء إلى الحوذي جو، وقد رأته يشدني نحوه· نظرت إليها باسماً لكنها ظلت عابسة·
 
ها أنذا في مدخل المغارة، وسط الأضواء الشديدة التي لا يدري المرء مصدرها، هل هو السقف أو الجدران·· ووسط ازدحام الناس الذين رأيتهم يصلون وهم داخلون، ويصلون وهم خارجون·· كان نظري شائحاً، جوالاً يجوب هذه العجيبة المكانية الفريدة·· ثمة متدليات صخرية هابطة من السقف، مشدودة إليه، يحسبها المرء ستسقط بين لحظة وأخرى مثل نقاط الماء، وثمة تجاويف، ومسطحات، وطاقات أشبه بالنوافذ، وعتبات، ودرجات، وأعمدة، وأجران، ومصاطب مسطحة، وطيور حمام تجول في المغارة كأنها تبحث عن شيء ما، كل شيء داخل المغارة وردي اللون، الصخور، والتجاويف، والجدران، والسقف الشاسع، والناس، حتى الطيور لولا الضوء الذهبي البهّار لما بدت ألوانها، صمت يشوب المغارة، فلا يسمع فيها سوى وقع الأقدام المتنقلة بحذر، وهمس الأدلاء للزائرين·· رهبة غير عادية تظللني والآخرين، العيون مفتوحة على وسعها، والخطا قصيرة محتشدة بالحذر·· لكأن الجميع ينتظرون مفاجأة ما·· يأخذني الحوذي جو من يدي، ويهمس لي ابقَ قريباً مني، لازمني، واستمع إليَّ· يا إلهي، أي كلام؟! ولماذا الكلام· فهذا المرأى هو الكلام، ولا كلام بعد هذا الكلام· البصر هنا هو الكلام، هو البلاغة، والترقب والحذر والدهشة والانبهار والمفاجأة كلها هي الكلام·· أحاول طيَّ خطاي كي لا تذهب بي بعيداً عن هذه النتوءات التي تتبدى على شكل أشجار، وأزهار، وطيور، وأعشاب، وسواقٍ جارية··

الصفحات