أنت هنا

قراءة كتاب قراءة حديثة في كتاب قديم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قراءة حديثة في كتاب قديم

قراءة حديثة في كتاب قديم

 

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 6

 

 
قراءة حديثة فى كتاب قديم
صعود وسقوط الرايخ الثالث
مقدمة
التاسع من أبريل عام 1938 أى فى الليلة التى سبقت يوم استفتاء شعبى ألمانيا والنمسا على الوحدة التى فرضتها قوات الغزو النازى عليهما .. وقف هتلر فى الرايشستاج الألمانى يلقى خطابا هاما بصوت تخنقه العاطفة متوسلا
" أيها الشعب الألمانى امنحني أربع سنوات أخرى عساى أحقق لك فيها ما تتوخاه من استغلال للاتحاد الذى أقمناه لمصلحة الجميع " .
قوبل هذا الحديث العاطفى بعاصفة مدوية وطاغية من التصفيق والاستحسان بحيث تضاءلت أمامها جميع انتصارات الفوهرر السابقة من فوق هذا المنبر .
أكمل متجاهلا أن الاستفتاء لم تظهر نتيجته كما لو كانت أمرا مفروغا منه .
" أعتقد أن إرادة الله هى التى شاءت أن تبعث بشاب من أبناء هذه المدينة الى الرايخ ودفعته فى معارج النهوض ورفعت من شأنه ليصبح زعيم الأمة وليتمكن من ضم وطنه الى حظيرة الرايخ " .
" هناك إرادة أسمى من إرادتنا ولسنا فى الحقيقة الا وكلاء لها .. وعندما نقض الهر شوشينج ( رئيس وزراء النمسا ) وعده فى التاسع من مارس شعرت آنذاك وفى تلك اللحظة أن نداء العناية الإلهية قد قرع بابى ولم أجد فى كل ما وقع من الأيام الثلاثة التالية إلا تحقيقا لمشيئة العناية الإلهية ورغباتها . ولم تنقض أيام ثلاثة حتى كان الرب قد أصابهم بغضبه وشاءت العناية الإلهية أن تمنحنى القوة لأجعل من خيانتهم للعهد سبيلا لتوحيد وطنى مع الرايخ " .
" وانى لأتطلع الى الله بالشكر الآن لأنه سمح لى بالعودة الى وطنى ولأنه أراد أن أقوده الى حظيرة الرايخ الألمانى والآن أسأل الله أن يمكن كل ألمانى من إدراك هذه الساعة وتقدير أهميتها وأن يمكنه من الوقوف خاضعا أمامه جل شأنه ليشكره على المعجزة التى حققها لنا فى غضون بضعة أسابيع " .
وسرعان ما قفز ستمائة نائب كلهم من الذين عينهم هتلر شخصيا ومن الرجال الذين يحملون أجساما كبيرة ورقابا منتفخة وشعورا مجزوزة وكروشا ضخمة ويرتدون بذات بنية و أحذية ثقيلة ... على أقدامهم كالآلات الذاتية الحركة يمدون أذرعهم اليمنى بالتحية النازية ويصرخون " هايل هتلر " بصوت واحد قوى .
وفى اليوم التالى كانت نتيجة الاستفتاء موافقة 99.75 % من الشعب النمساوى المحتل و 99.08 % من الشعب الألمانى الغازى .. على الوحدة .
إذا تأملنا تلك السطور التى تم نقلها من كتاب وليم شيرر "صعود وسقوط الرايخ الثالث" فإننا سنجد أنفسنا وجها لوجه مع الملامح الأساسية التى سيطر بها ديكتاتور الرايخ الثالث على شعبه وتحكم بواسطتها فى مقدراته والتى أصبحت بعد ذلك دستورا لكل من صورت له خيالاته بأنه مبعوث العناية الإلهية والمحقق لإرادتها فى وطنه .
ان هتلر ذلك الطاغية الذى جر الخراب على العالم بما فى ذلك رايخه الثالث المحبب الى نفسه – فاستعبد وقتل وشوه عشرات الملايين من جميع شعوب الأرض سواء فى ذلك هؤلاء الذين حاولوا استرضاءه أو استسلموا له أو قاوموه .. يقف متواضعا بطهارة القديسين يستجدى ثقة شعبه واهما إياه من خلال ميلودراما هابطة مليئة بالأكاذيب بأن ما يفعله ما هو الا إرادة الله التى قدرها لصالح وطنه وحكمه وشعبه .. ولكن وبمجرد أن ينهى خطابه هذا يصدر الأوامر لزبانيته من محترفى الإجرام ليذيقوا كل من ساقته الأقدار ليقع تحت رحمته ويلات الذل والعذاب .
ان قصة فوهرر ألمانيا قصة مكررة فى التاريخ يمثل فيها حلقة وسطية بين طغيان أباطرة الأمس فى مصر وبلاد ما بين النهرين واليونان وروما – فرعون وقيصر والاسكندر وهولاكو ونابليون .. وبين طغيان اليوم الذى نكاد أن نلمسه بأيدينا أينما يممنا وجوهنا شطر آسيا أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية .
ولكن أهمية الفوهرر ونظامه بالذات أنهما كانا يتمتعان بجاذبية شديدة ليس لدى أبناء وطنهما فحسب ولكن لشباب عالم المستعمرات الذين كانوا يرقبونه بحب وتقدير مبالغ فيه وهو يمرغ أنف الإمبراطوريات القديمة فى الرغام .
لقد بهرهم بالزخرف الخارجى للإنجازات السريعة والانتصارات الساحقة التى حققها فى مجالات الصناعة والتنظيم والحرب والمناورة السياسية فأصبح مثلهم الأعلى ونظامه هو النموذج الذى سعوا الى تحقيقه فى أوطانهم متجاهلين الآلام و التدميرات التى تسبب فيها للبشر وغير واعين لمعنى سقوطه .
لقد ترك هتلر بصمته على القرن العشرين فلاشك أن مصارعة هتلر فى النصف الأول من القرن قفزت بالعالم الى آفاق لم يكن يحلم بها فى مجالات التكنولوجيا والتنظيم ... وفى النصف الأخير من القرن ألقى نظامه بظلاله – سواء بالسلب أو الإيجاب – على أنظمة حكومات عالم ما بعد الحرب .
 

الصفحات