أنت هنا

قراءة كتاب قراءة حديثة في كتاب قديم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قراءة حديثة في كتاب قديم

قراءة حديثة في كتاب قديم

 

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 10

2- نمط ثقافى شوفونى موجه

كتب هتلر عام 1924 أى قبل توليه السلطة بحوالى عشر سنوات فى سجنه بعد محاولته عمل انقلاب فى بافاريا كتاب " كفاحى " هذا الكتاب الذى قدر له أن يصبح إنجيل الدولة النازية حقا وليس مجازا فلقد أصدر روزنبرج فى منشوره لتنظيم الكنيسة فى البند التاسع عشر

" يجب أن لا يكون على المذبح كتاب آخر سوى كتاب " كفاحى " فهو أقدس الكتب بالنسبة الى الشعب الألمانى والى الله .. على أن يكون السيف معلقا على يسار المذبح " .

فما الذى كان يحتويه هذا الكتاب .

لقد كان يقص – من وجهة نظره – قصة حياة هتلر منذ ولادته وحتى ذلك التاريخ والعوامل التى – فى تصوره – أثرت على تربيته . وكان يتكلم عن نوع غريب من البشر هو قمة تطور المملكة الحيوانية ومن عداهم يشارك باقى الحيوانات الثديية مرتبة أقل فى سلم التطور .

وكان يبشر بانتصار هذا الجنس الآرى الراقى على باقى الأجناس المنحطة فيستخدمهم فى استغلال الإمكانيات الكامنة لكوكب الأرض .

وكان يعتقد أن الجنس الآرى هذا هو مصدر لكل ثقافة وحضارة العالم منذ ألف عام وأنه سيظل هو المصدر الوحيد لآلاف أخرى حتى يعم البشر نوع متطهر منهم ذو صفات خاصة قوية متخلصة من كل ضعف أو تشوه أو انحراف .

ولذلك فلقد كانت خطته السماح لهذا الجنس بإطلاق كامن طاقته والاستيلاء المبدئى على كميات من الأرض اسماها المجال الحيوى الكـافى للسماح لهم بالحياة المناسبة لسموهم . و أن هذا لن يتم إلا بالقوة .. و بإرهاب من عداهم من أجناس منحطة ليتيسر استخدامهم .

لقد كانت مجموعة من الأفكار المريضة التى نتجت عن فهم خاطئ لمبدأ عبادة القوة التى نادى بها نيتشه فى بعض كتبه مثل " هكذا تكلم زرادشت " .

عندما صدر هذا الكتاب لم يؤخذ مأخذ الجد ولكن بمرور الوقت تم تنفيذ كل ما جاء فيه بدقة غريبة تدعو للدهشة وتوارى كل ما عداه.

يقول وليم شيرر " فى العاشر من مايو 1933 أى بعد أربعة أشهر من تولى هتلر الحكم حدث مشهد غريب لم تره أوروبا منذ العصور الوسطى .. فلقد جمع الطلاب نحوا من عشرين ألفا من الكتب وتم حرقها فى احتفال جماعى .. ثم أصدر الطلاب بيانا يقولون فيــه " ان كل كتاب يعمل فى تهديم مستقبلنا أو يضرب بمعاوله جذور ثقافتنا وبيتنا وقوى شعبنا المحركة مصيره الى الحرق " .

أعقب ذلك إنشاء مجلس ثقافة الرايخ حددت أهدافه كالآتى :-

" رغبة فى اتباع سياسة ثقافية ألمانية يصبح من الضرورى جمع الفنانين ذوى الطاقات الخلاقة فى جميع الميادين فى منظمة موحدة تعمل تحت قيادة الرايخ الذى لا يكتفى بتقرير خطوط التقدم العقلى والروحى .. بل عليه توجيه المهام الفنية وتنظيمها " .

و أنشئ فى المجلس الأعلى لثقافة الرايخ سبع لجان فرعية هى لجان الرايخ للفنون الجميلة والموسيقى والمسرح والأدب والصحافة والإذاعة والأشرطة السينمائية " .

وفرض القانون على كل من يعمل فى هذه الحقول أن ينتمى لهذه اللجان التى تحمل توجيهاتها وقراراتها قوة القانون .

وبذلك تحولت الثقافة لخدمة الأهداف الدعائية للعهد الجديد وكل من لا ينتمى.. لن يجد مجالا للحياة .. وانحلت الثقافة العظيمة لشعب جوته وبيتهوفن وشيلر .

كذلك أصبحت الصحف تصدر كلها ولها نفس الطابع نفس العناوين نفس المقالات الافتتاحية.. فلقد كان جوبلز يعقد لمحررى هذه الصحف اجتماعا كل صباح يملى فيه عليهم ماذا سيكتبون ..فهبط توزيع الصحف بعد أن ملها الشعب الألمانى .والإذاعة والأشرطة السينمائية حدث لها نفس الموقف لقد قاطعها الشعب بعد أن تحولت الى الإدارة الرئيسية للدعاية عن طريق دائرة الحزب والمجلس الأعلى للإذاعة والأشرطة السينمائية .

يقول وليم شيرر

" ليس فى وسع إنسان لم يعش مثل ما عشت فى سنوات طويلة فى بلد يحكم بطريقة جماعية أن يدرك بسهولة مدى الصعوبة فى التخلص من النتائج المفزعة للدعاية المخططة والمستمرة لذلك العهد .. وكثيرا ما كنت أجد نفسى وجها لوجه إما فى البيوت أو المكاتب الألمانية أو فى محادثات عرضية مع أناس لا أعرفهم فى مطعم أو مقهى مع تأكيدات غريبة وعجيبة تصدر من أشخاص يبدو عليهم التعلم والذكاء ومن الواضح أنهم كانوا يرددون كالببغاوات بعض التفاهات التى استمعوا إليها فى الإذاعة أو قرءوها فى الصحف .

وكثيرا ما كنت أندفع بالإغراء الباطن المنبثق من داخلى فى قول الحقيقة .. فأجد أمامى فى غالب الحالات تشكيكا فى صحة ما أقول أو صمتا مرعبا وكأننى قد كفرت بالإله الخالق .

و آنذاك أدرك تمام الإدراك أن لا طائل حتى فى محاولة إيجاد اتصال مع عقل غدا مغلقا بإطار سميك وباتت أمامه حقائق الحياة لا تخرج عما يسمعه من هتلر أو جوبلز على الرغم من تجاهلها للحقيقة المجردة .

ولقد شاهد هذا العصر غرائب ليس فى الثقافة والفن فقط ولكن فى التعليم أيضا .. لقد وجدنا من يدرس الفيزياء الألمانية والكيمياء والرياضيات النازية التى أنتجتها العقول الآرية فقط .. أما ما ينتجه باقى العلماء والفلاسفة فهو تعليم منحل خاصة لو كان من يهودى ... بما فى ذلك ألبرت أينشتاين نفسه .

لقد وجه النازى كل إمكانيات التعليم فى اتجاه تنمية الروح العسكرية البروسية والعنصرية الألمانية .

فتحول الألمان وخاصة شبابهم الى بشر ذو بعد واحد محدودى الثقافة مسطحون .. وبذلك توفر له المصدر الدائم والثابت لجيش النازى الفاشيستى الذى غزا به العالم .

لقد كان الديكتاتور فى حاجة الى جنود ولم يكن فى حاجة الى مثقفين فانتحرت الثقافة على أعتابه كما حدث دائما .. وسيحدث مستقبلا .

الصفحات