أنت هنا

قراءة كتاب قراءة حديثة في كتاب قديم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قراءة حديثة في كتاب قديم

قراءة حديثة في كتاب قديم

 

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 7

ولنبدأ القصة من أولها

فى نهاية ثلاثينيات القرن العشرين كان يحكم العالم فلول النظام الإقطاعي المندحر أمام الرأسمالية البازغة .. مجموعة من الديكتاتوريون.. فى ألمانيا هتلر .. فى إيطاليا موسولينى .. والنمسا شوشينج و أسبانيا فرانكو .. واليابان إمبراطور اله وحتى الاتحاد السوفييتى دولة العمال ومهد الاشتراكية كان هناك ستالين الذى قال عنه خورشيتشيف فى المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى أنه كان طاغية مضطرب العقل .. على الجانب الآخر كانت هناك الإمبراطوريات الإنجليزية والفرنسية والهولندية والبلجيكية .. تحتل بالقوة والقهر شعوب المستعمرات تضطهدها وتستنزفها .. وفى العالم الجديد كانت أمريكا التى خرجت من حروب الاستقلال والحرب الوطنية تعانى من التفسخ والأزمة الاقتصادية التى جعلت معظم الشعب يتضور جوعا رغم محاولات روزفلت الديموقراطية لرم الصدع .

ان الثلاثينيات فى تاريخ العالم هى اللحظة التى كانت الأرستقراطية الإقطاعية تسلم فيها الرأسمالية الفتية الإعلام من خلال صراع حاد دموى تضطهد فيه الأخيرة عمالها وشعوب المستعمرات وتنقلب على أنظمة الحكم الرجعية التى تقف كحجر عثره فى سبيل تقدمها وفرض سيطرتها .

وكان على الرأسمالية الصناعية أن تتغلب على مشكلتين.. الأولى تلك المقاومة العنيفة من عمالها والمتمثلة فى النضالات النقابية القوية والأفكار الاشتراكية والشيوعية والتى وجدت لها موقع قدم فى روسيا بعد انتصار الثورة البلشفية .

والأخرى .. أن تجد لنفسها أسواقا جديدة توزع فيها منتجاتها وتستورد منها المواد الخام الرخيصة. وتراكــم رؤوس الأموال لتستولى على الحكم وتفرض إرادتها وسيطرتها لمصلحة نموهــــا .

فى هذا الوسط المشبع بالصراع بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ظهر هتلر وحزبه النازى.

كانت ألمانيا بعد هزيمتها مكبلة بمعاهدة فرساى التى فرضتها عليها الدول المنتصرة والتى كان عليها بمقتضاها دفع خمسة بلايين من الدولارات مقيمة بالماركات الذهبية .. عدا الفحم والسفن والخشب والماشية وغيرها من التعويضات العينية .. وكان جيشها قد تم تحديد حجمه بمائة ألف متطوع وممنوع من اقتناء الدبابات والطائرات والغواصات والقطع البحرية التى تزيد حمولتها عن عشرة الآف طن .. كما أنه كان محروما من تكوين هيئة أركان حرب .

وكان الاقتصاد الألمانى مدمرا من فعل التعويضات ويعانى من بطالة تصل الى سبعة مليون عاطل .. وكان الدولار الذى قيمته أربعة ماركات قد ارتفعت قيمته الى خمس وسبعين فأربعمائة فسبعة الآف فثمانية عشر ألف فمائة وستين ألف فأربعة ملايين مارك بحيث لم يعد للمارك الألمانى أى قيمة على الإطلاق .

وكانت الحياة السياسية ممزقة بواسطة عدد لا نهائى من الأحزاب والجماعات السياسية المتصارعة , وكانت الأرض الألمانية مفصولة أيضا فى كتلتين رئيسيتين تفصلهما بولندا ولا يسمح بالاتصال بينهما .. بخلاف أجزاء أخرى استولت عليها لتوانيا وتشيكوسلوفاكيا.. كذلك كان حوض نهر الراين الملاصق لفرنسا منزوع السلاح ولا يسمح بتواجد قوات مسلحة فيه .

وهنا ظهر الحزب النازى ليحقق انتصارات مدوية متحديا معاهدة فرساى موحدا الشعب محققا تفوقا صناعيا .. متغلبا على البطالة.. مستفزا الديناصورات المستقرة فى أوروبا والمسيطرة على العالم .. مطالبا بما يسمى بالمجال الحيوى لألمانيا .. أى مناطق تزودها بالمواد الخام والمنتجات الزراعية والعمالة الرخيصة وسوقا مستهلكا لنتاج مصانع الرأسمالية .

ظهر الحزب النازى بأفكاره الغريبة عن تفوق العنصر الآرى الذى عليه أن يقود الأجناس الأخرى المنحطة فيستعبدها أو يمحوها من على الأرض , وشجعته الرأسمالية الألمانية .. فقد كان الأمل فى حل مشكلتيها .. فالحزب بأفكاره الغريبة قادر على أن يلجم مقاومة العمال والاشتراكية والشيوعية.. وفى نفس الوقت بنظرته العنصرية يمكنه أن يجد للرأسمالية الألمانية مكانا على الأرض.

وحاولت القوى المحيطة به ملاينته.. فسلمته إنجلترا وفرنسا, بدون أى مقاومة النمسا .. ثم وبقليل من المقاومة تشيكوسلوفاكيا ولكن شراهته لم يكن لها حدود.. فحاولت زجره عندما بدأ فى الاستيلاء على بولندا .. ثم تهاونت أمام ضراوته .. فاستولى على هولندا وبلجيكا .. ثم وجه لهم ضربته الأساسية فاستولى على فرنسا ودمر المدن الأساسية فى انجلترا وحاصر أسطولها بل أطاح بألف سفينة لها .. ثم استدار للاتحاد السوفيتى يلتهمه قطعة قطعة حتى وصل الى حدود موسكو ناشرا الرعب بقواته المتفوقة ونظامه البوليسى شديد الكفاءة شديد الإرهاب .

لقد كان لهذه الانتصارات أثر السحر فى عقول ونفوس شباب المستعمرات الذين تمتلئ قلوبهم بالحقد على الإمبراطوريات القديمة , فشجعوه غاضين البصر عن مجازره مسلمين آذانهم وأفئدتهم لدعاية جوبلز .. لقد كانت الروح الجديدة تبهرهم فأصبحت هى المصدر الأساسي لثقافتهم وهى النموذج والمثل المحتذى .

وحتى بعد أن تسقط إمبراطورية الرايخ تبقى لعنتها متغلغلة فى نفوس وقلوب شباب المستعمرات منتظرة الفرصة المواتية .

وتجئ هذه الفرصة .. فلقد تغير العالم بعد حربه الثانية .. ورغم انتصار إنجلترا وفرنسا .. إلا أن عالم الإمبراطوريات القديمة أذن بالانتهاء.. ومع حركات التحرر الوطنى .. تتحول دول المستعمرات الى دول العالم الثالث ... دول مستقلة سياسيا.. وتابعة اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.. وتزدهر لعنة الصعود السريع الساحق ويتصور عديد من قادة الشعوب المستقلة حديثا أنهم مبعوثو العناية الإلهية وأن فى قدرتهم أن يحققوا ما فشل الفوهرر عن تحقيقه ... وتصبح السمة الغالبة لحكومات ما بعد الاستقلال فى آسيا وأفريقيا و أمريكا اللاتينية الفاشستية والزعيم الأوحد .

فإذا كانت ظاهرة الحكم النازى قد عمت و أصبحت مثل البثور على وجه الكرة الأرضية .. فلنمعن النظر قليلا فى أسس هذا النظام إذا كنا قد نسينا التاريخ .

كتب وليم شيرر " وصلت الى الرايخ الثالث فى هذا الوقت من أواخر صيف 1934 لأعيش و أعمل فيه .. وكان فى ألمانيا الجديدة الكثير مما يؤثر على المراقبين الأجانب ويزعجهم ويحيرهم .. فلقد بدت الغالبية الساحقة من الألمان وكأنها غير مكترثة بانتزاع حريتها الشخصية منها بتحطم الكثير من ثقافتها لتحل محلها بربرية مجنونة وبأن حياتها وأعمالها غدت منسقة على نحو عسكرى الى حد لم يألفه أى شعب من قبل حتى ولو كان هذا الشعب قد ألف منذ أجيال طويلة حياة التنظيم العسكرى .

ومن المحتمل أن يكون إرهاب الجستابو والخوف من معسكرات الاعتقال كامنا فى النفوس ولا سيما بالنسبة لهؤلاء الذين يخرجون على الصف المنظم أو الذين كانوا فى ماضيهم من الشيوعيين أو الاشتراكيين أو المغالين فى ليبراليتهم أو ميلهم للسلام .. وكانت عملية التطهير الدموية فى 30/6/1934 بمثابة إنذار لما يمكن أن يكون عليه القادة الجدد من قسوة وشدة ".

وفى موقع آخر من الكتاب نجد

" لقد كان الشعب الألمانى يحيا حياة الماشية وقد جثمت على صدره ديكتاتورية متوحشة لا ضمير لها ولا أخلاق ومع ذلك فلقد كان يؤيدها بحماس أصيل فلقد بعثت فى نفوسهم آمالا جديدة وثقة جديدة وإيمانا مدهشا بعظمة بلادهم ومستقبلها " .

الصفحات