أنت هنا

قراءة كتاب إنهيارات رقيقة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إنهيارات رقيقة

إنهيارات رقيقة

كتاب "إنهيارات رقيقة" للصحفي والكاتب الفلسطيني هشام نفاع، هو بأكورة أعماله الأدبية الصادرة عن دار "راية للنشر والتوزيع" في مدينة حيفا، هو كتاب يحوي تساؤلات يكثر فيها العمق والبعد الفلسفي من خلال "جداد" ربما يكون حقيقًا وربما وهميًا. 

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2
والآن، وسط الذهول مما صفع بصره، حين حانت ساعة امتحان التيقـّن من قيمة العدسات وفضلها على النظّارات الـ دَقـّه قديمِه، شعر بأن العدستين تضغطان على عينيه رغم أن ما يجري حقيقةً هو العكس: فهو الذي كان يضغط على العدستين بجفنيه، ومن غير النزيه إلقاء التهمة على هاتين الدائرتين الشفافتين. ولكن هذه ليست المرة الأولى التي يتهم البشر فيها ظواهر الطبيعة بالمسؤولية عن آلامهم، فيما هم من يخنقون الطبيعة وظواهرها بغرور غبيّ حتى تنفجر فتؤلمهم. وعلى الرغم من أن جداد نفسه كان شديد الاعجاب بالنضال من أجل جودة البيئة، فقد ظل كغالبية المعجبين بمعظم القيَم: دون أي التزام بترجمة إعجابه الى ممارسة ملتزمة.
 
ولهذا السبب، كما يبدو، أي بسبب سطحية جداد المكتفية بالاعجاب بالطبيعة من دون شجاعة التعرُّف عليها والوصول الى تسوية معها، فإن روح قانون نيوتن الثاني اقتصّت منه فورًا على هذا الجهل الجبان. فهي التي لا تزال ترفض الموت، ببطولة ساطعة، رغم الهيمنة الكمومية، يعني الـ Quantum Theory، وجدت لها تفـّاحة، تقمّصتها ثم سقطت بها متدحرجة على وقع الجاذبية (g) لتحلّ هنا في عينيّ جدّاد.. فعندما حدّق بهلع، ما كان من العدستين سوى الانصياع والسلوك وفقًا للقانون النيوتوني والردّ على قوة ضغط العينين الوقح عليهما بنفس القوة وبالاتجاه المعاكس، ليروح بطلنا يتألم ويعيد توسيع فتحتي نظره، غير الواسعتين بشكل خاص بل المعمـّصتين الى حدّ بعيد، وبشكل عكـَس أيضًا جذوة المفاجأة التي تنامت مشوبة بفزع خفيف في قلبه، أو في محيط الصدر على الأقلّ - وإن كان يجب التشكيك أصلا بفرضية تفاعل المشاعر الانسانية في الحجرات الأربع لمضخّة الدم الشهيرة بالذات.
 
ولكن ما لنا ولهذه المسألة الآن.
 
فالفزع الذي لن يظلّ خفيفًا بعد عدد قليل من الثواني التي ربما تكون تضاعفت الآن فيما نحن نصف الأمر، كان بسبب ما تراءى له على بعد عشرين مترًا تقريبًا من البقعة التي أراد اجتيازها بقدميه الغارقتين في حذاء يوهمك بأن صاحبه رياضي، رغم أنه من آخِر الكسالى المحترمين لأنه يدّعي في الكسل علمًا وفلسفة، ويترجمه ممارسة حياتية يمكن القول انها ألغت الى حدّ بعيد المسافة بين النظرية والتطبيق، فظل ما ظل من هوامش التأويل الكامنة منكمشًا بحيث انسحق كل احتمال لانبثاق مشروع نقديّ جاد يتصاعد من الحيّز المحصور بين فلسفة جدّاد المتعالية في الكسل وقيمته، وبين تحقيقها الفاعل. فقد كان جدّاد من الصدق والالتزام ودقّة الانصياع العفوي لبنوده النظرية التي يفترضها هنا، بحيث قلّص حيّز التفاوت بين المادة الفكرية والفعل الملموس الى درجة صفر رياضي كلاسيكي، ومن غير خضوع لأية فذلكات نسبية. كان هذا ملخص علاقته بالممارسة المسمّاة «رياضة»، ذات الطقوس والثياب الموحّدة وشبكة المصالح والأندية والنجوم والأموال (وزناخات البعض في القدوم الى المقاهي من نوادي التدريب مباشرة بثيابهم المضحكة). هذه قصة طويلة شائكة، فضّل العزوف عنها.

الصفحات