أنت هنا

قراءة كتاب إنهيارات رقيقة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إنهيارات رقيقة

إنهيارات رقيقة

كتاب "إنهيارات رقيقة" للصحفي والكاتب الفلسطيني هشام نفاع، هو بأكورة أعماله الأدبية الصادرة عن دار "راية للنشر والتوزيع" في مدينة حيفا، هو كتاب يحوي تساؤلات يكثر فيها العمق والبعد الفلسفي من خلال "جداد" ربما يكون حقيقًا وربما وهميًا. 

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
وعلى حين غرّة، دون أن يتوقع أيّ من الطرفين تكتيك الآخر، راح جدّاد يرمي بخطواته فارًّا الى الأمام، بينما ومن قلب خوذة خضراء اللون، راح قائد الدرّاجة يلتفت للوراء كي يقدّر مدى بُعد مكمن الخطر منه، فلم ينتبه الى انحناءة واسعة أمامه في الشارع، وهكذا خشّ في جدار إسمنتي كان قد رسم عليه أطفال الحيّ (ضمن مشروع البلدية «هيّا نحبّ حارتنا») عصافير بَحْريّة تطير بحُريّة فوق قارب شراعيّ ملوّن، فطجّت الدراجة بالجدار طجّة عصماء وارتمى سائقها على الناصية وصوته يختلط بالأنين والشتائم المتقطّعة معًا.
 
في نفس اللحظة كانت قدما جدّاد تواصلان الهرب (وهو ثلثا المراجل طبعًا) من وجه الخطر شبه الفضائيّ أو السماويّ الأعظم الذي كاد يبتلعه قبل دقائق، لكن بما أنه وقع الآن ما وقع، فقد أبطأ كابحًا على نفسه محدّقـًا في السائق الشاتم المتألـّم الذي وقع.
 
أمامه، من قلب آلامه، راح السائق يكابد طوعًا لقطع درب آلام جديدة وهو يزيح بجسده زحفـًا دون وعي لأية جهةٍ تـُذكر وقد اقترب من أخافه منه اقترابًا شديدًا.
 
واختلطت التوقعات.
 
فهذا يبغي إسداء معروفٍ لملهوفٍ صرعه أكسدنت، وذاك يحاول الاستجارة بكل ما يمكن أن يقيه شرّ هذا الخطر الداهم الذي لاحقه حتى طجّ بالجدار.. ولكن خروج بعض الناس من شرفاتهم وتدلي النظرات من النوافذ على صوت وقع الصدمة، فكّ صراع الجبابرة الذي كان ما انفكّ ينعقد بين الهاربَين الى الأمام في هذه الليلة غير المقمرة، قليلة الماء والكلأ !!
 
لكن المفاجأة الكبرى كانت - وهذا هو حال القصص - حين راح جدّاد يقترب ليرى في وجه السائق متعثـّر الليلة والدرّاجة وجهًا يعرفه!
 
كان وجه الشاب مألوفًا، ولكن من أين؟
 
لو كنـّا في مسرحية تدّعي المأساوية ويُراد لها الرّواج لقلنا إن جدّاد عثر على شقيقه التوأم الذي كانت باعته الخادمة في صغره بعد وفاة والدته وقت الولادة، كي تربّي أحدهما بما لديها وتنقذ ببيع الثاني هذا اللحم الحي الذي خرج من موت جسد الرحم الذي حمله، عـَلّ الفناءَ يُصدّ من خلال الإبقاء على أحد التوأمين على الأقل ويتسنى تخليد من يحمل الاسم، كي يتحقق جوهر فعل الانجاب وإكسيره العميق متعدد الثنايا.
 
لكن المشكلة أن دفع المسائل الروائية باتجاه هذا الاحتمال سيظلّ ضعيفًا وغير مقنع وربما مبتذلا مما يعني التنازل عنه بشكل قاطع.
 
إذًا هكذا: في أعماق جدّاد تصاعدت ارتجاجات تلك الصرخة الضرورية التي ينبغي بها أن تحافظ على الدراما المطلوبة في نوائب كهذه، وقد اكتملت فعلا على لسانه، وصرخ بالعربية الفصحى: «يا إلهي» (مع صدى)!
 
فقد كان وجه الدرّاجي يجمع نفس الملامح المتفككة التي تراءت له في كتلة الضوء الشبحيّة المرعبة التي كانت تأمره بالاقتراب قبل دقائق، وليهوي جدّاد بجانب السائق المنكوب وقد لطمته قوى غامضة خاطفة تصاعدت من دواخله الوجلى، فسقط في غيبوبة غيّبت العالم عن وعيه.

الصفحات